جزر المالديف :الدموع الزرقاء تحت المجهر

1

 
د. وائل عواد
رفضت الهند استقبال المبعوث الخاص لرئيس المالديف لإطلاع الجانب الهندي على المستجدات السياسية هناك والهند التي تدخلت عسكريا” لإسقاط الانقلاب العسكري ضد الرئيس عبد الله قيوم عام 1988 عندما قام مجموعة من المالديفيين بالتعاون مع مرتزقة مسلحة من سيرلانكا بشن انقلاب افشله التدخل الهندي الذي أعاد الرئيس قيوم للحكم . نيودلهي تعتبر الأمن في جزر المالديف جزء” من امنها القومي.
جذور الازمة
إذا كانت السياسة والمصالح الشخصية سببا” في الخلافات والصراعات في العديد من الدول فإن العاصفة السياسية في جزر المالديف هي السبب الرئيسي في إفساد جنة الله على الأرض .لم تعرف هذه البلاد الصغيرة الكثير من فن السياسة والمراوغة إلا بعد دخول التعدد الحزبي والديمقراطية حين فاز أول رئيس منتخب ديمقراطيا” محمد ناشيد استبشر الناس خيرا” بأن في دولة مسلمة محافظة صغيرة لا يتجاوز تعداد سكانها 400000 نسمة اختارت الديمقراطية البرلمانية ولكن سرعان هذه الأحلام ما تبددت مع تفاقم الصراع على كرسي الحكم بين الرئيس الحالي عبد الله يامين و قادة محمد ناشيد(الحزب الديمقراطي للمالديف) وقاسم ابراهيم(الحزب الجمهوري ) فقد حكم على الأول بالسجن بتهم “الإرهاب “وانسحب الآخر من التحالف مع الحزب الديمقراطي الحاكم وطالبوا باستقالة الرئيس باعتبار أنه لم يعد يمثل الشرعية والأغلبية من السكان .وأصدرت المحكمة العليا قرارا” باطلاق سراح المعارضين السياسيين وإسقاط التهم عنهم لكن الرئيس رفض ذلك وأعلن حالة الطوارئ في البلاد .
الصراع على السلطة في المالديف تزامن مع دخول التيار الوهابي إلى هذه الجزر ومد الحكومة بالمساعدات المالية وتكثيف الرحلات الجوية بين المملكة العربية السعودية و مالي الأمر الذي أدخل السكان تحت العباءة السعودية وازداد نشاط الحركات الاسلامية المتشددة والفكر الوهابي والسلفي المتشدد وسط مخاوف وقلق من قبل دول الجوار الهند وسيرلانكا بانتشار التطرف والحركات الدينية المتشددة التي تهدد أمن المنطقة .وبالفعل وعلى مدى السنوات الأربع الماضية ،بدأت معالم البلاد تتغير مع دخول المد السعودي الوهابي السلفي لهذه الجزر المعرفة بإسلامها المعتدل وتوريط القادة السياسيين في سياستها الموالية للمشاريع الأمريكية في المنطقة وزادت من تقارب الصين ومالديف باقامة مشاريع بحرية بحجة توريد الصين بالنفط السعودي وتم التوقيع على اتفاقية بين الحكومة المالديفية والصين والتي تصب في إطار خطة الصين لطريق الحرير المائي في مبادرتها طريق واحد حزام واحد بعد الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الله يامين إلى الصين التي بدورها اعتبرت المالديف شريكا” استراتيجيا” وبدأت تدعم مشاريع ضخمة لتنمية البنية التحتية في الارخبيل وتم تعديل القوانين في المالديف التي سمحت للأجانب بشراء واستثمار الأراضي مما دفع ببكين لتعزيز وجودها العسكري الأمر الذي أثار حفيظة نيودلهي وحليفتها واشنطن .
نيودلهي شعرت بالقلق للامتداد الصيني حتى أبوابها على الرغم من العلاقات الطيبة التي تربطها مع القادة السياسيين ، لكنها فضلت عدم التدخل عسكريا” ومراقبة والتطورات والتريث باعتبار ان الرئيس الحالي منتخب ديمقراطيا” .وسط تفاوت في ردود الفعل للإجراءات التي اتخذها الرئيس عبدالله يامين من التنديد باعلان حالة الطوارئ إلى المطالبة بـ الانصياع لقرارات المحكمة العليا والعودة لممارسة الحريات .
تفيد تقارير استخباراتية أن السبب الرئيسي وراء الخلافات بين المحكمة العليا والرئيس هي قضية الرشوة التي تلقاها قاضين اعتقلا، وتقدر بحوالي 30 مليون دولار ادخلت في حسابيهما في ماليزيا ، مقابل قرار إلغاء الاتهامات ضد المعارضين السياسيين التسع ومطالبة الحكومة باطلاق سراحهم .ومازالت التحقيقات جارية لمعرفة الجهة المسؤولة عن الرشوة وان كانت اصابع الاتهام تشير إلى دولة اوربية ولذا ويعزو البعض سبب رفض الحكومة استقبال سفراء اوربيين معتمدين لديها لشرح الأوضاع في البلاد . وإن تاكدت هذه الانباء فإنه يتوقع ان ترفع حالة الطوارئ وان حكومة مالي لديها دعما” من دول اخرى ،الصين بشكل مباشر ،لمواجهة أي عقوبات تفرض عليها من الاتحاد الأوروبي أو من الولايات المتحدة والتي تتهمهم علنا” بـ التدخل بشؤونها الداخلية ودعم المعارضة في محاولة لتغيير النظام وابعادها عن التقارب مع الصين .
الأبعاد الاقليمية للأزمة
سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتصال برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وتباحث معه الأوضاع في كل من جزر المالديف وميانمار وكوريا الشمالية والأوضاع الأمنية في أفغانستان . الصين بدورها تتقارب مع دول الجوار وخصوصا” تلك الدول التي تقع على خط الحرير والفيل الهندي يراقب تحركات التنين الصيني القريبة من مياهه في سريلانكا والمالديف والنيبال وباكستان وأفغانستان .مطالبة قادة أحزاب المعارضة بالتدخل الأجنبي في البلاد ومراقبة الانتخابات هو دليل على البعد الإقليمي للأزمة وكما هي الحال في الدول العربية حيث نشبت الخلافات والحروب فيما بينها بسبب دول صغيرة في المنطقة خدمة لمصالح الدول العظمى فإن دول جنوب آسيا ليست مستثناة من هذا الصراع للنفوذ بين دول العالم وهذه الأزمات المفتعلة ماهي إلا أداة للتدخل في شؤونها الداخلية في المستقبل القريب وخلق ساحات حروب جديدة ، بحجة محاربة الإرهاب التي أصبحت أداة للتدخل الأمريكي بشؤون الدول المعارضة لسياستها.وأصبحت البؤر الارهابية الوهابية تنتشر بسرعة في جنوب وجنوب شرق آسيا ووسط أهالي الأرخبيل التحق العديد منهم بتنظيم داعش الإرهابي في سورية والعراق ومنهم من عاد للبلاد .
بعيدا” عن نظرية المؤامرة ،جزر المالديف مهددة بالانقراض بسبب التغيرات المناخية التي قد تغمرها المياه من حولها وتعد شواطئها الخلابة محط انظار السياح الأوربيين، خاصة السياح الالمان، وتهدد الاضطرابات الداخلية عصب الحياة وقد تتفاقم أكثر مالم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الانزلاق والسقوط الطوعي .

التعليقات معطلة.