فاتنة الدجاني
«بريكس» ببهارات هندية
إن كان المقصود أنها الزيارة الأولى لرئيس وزراء هندي لفلسطين، فلا بأس. ولكن في ما عدا ذلك، يشعر الفلسطيني بشيء من الخيبة والمرارة إزاء هذه الزيارة، يُضاف إلى الخذلان الكبير حال تذكُّر تاريخ الهند في حركة عدم الانحياز، وتأييدها القضايا العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية في غير منبر دولي في زمن نهرو وأنديرا غاندي.
حظيَ مودي في رام الله باستقبال دافئ، ومُنح «القلادة الكبرى لدولة فلسطين» باعتبارها أعلى وسام، ثم زار ضريح الراحل ياسر عرفات، وكتب كلمات دافئة، وإن منزوعة المفاعيل، في دفتر الزوار في متحفه، واصفاً إياه بأنه «صديق عظيم للهند… أذكُر حبه وتبادُله وشعبها هذا الحب… ما زلنا نذكره باعتزاز». وحاول الإيحاء بأن الزيارة تأتي في سياق توازن في العلاقة بين بلاده وكل من إسرائيل والفلسطينيين، بعدما كان زار الدولة العبرية قبل أشهر من دون أن يُعرّج على رام الله.
المفارقة أن مودي بدا كمن يشتري، باسم التوازن، رضا الفلسطينيين بسعر رخيص. فبعدما شهد العالم حفاوة الاستقبالات التي حظي بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في أرجاء الهند، وحجم العقود التجارية والعسكرية بين الجانبين ببلايين الدولارات، انتهت زيارة رئيس الحكومة الهندية لفلسطين بتوقيع عقدين بواحد وأربعين مليون دولار، وبالقليل من التضامن اللفظي، حتى من دون أدنى إشارة إلى ما يعانيه الفلسطيني من الاحتلال ومن الاستيطان.
أسمَع الرئيس محمود عباس ضيفه أنه «يعوّل على دور الهند كقوة دولية ذات مكانة ووزن كبيرين للمساهمة في تحقيق السلام العادل»، ربما ملمحاً إلى دور عبر عضويتها في مجموعة «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) التي أُنشئت من أجل تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية. فالمأمول من هذه المجموعة أن تقف، ككتلة دولية وازنة وبخلفياتها التاريخية الثورية، مع قضايا التحرر العالمية، ومن بينها القضية الفلسطينية. لكن ذلك تجمّد عند حدود المصالح الاقتصادية والتساوق مع مواقف الكتلة الأوروبية والولايات المتحدة، على رغم توسّع تجارة هذه المجموعة واستثماراتها في البلاد العربية.
ومن يتابع مواقف دول «بريكس» يُدرك أنها أقرب إلى الحياد باسم التوازن، وإن كانت تميل إلى تحاشي التصادم مع السياسات الأميركية. هذا موقف معلن تُبرر به الصين أيضاً ضبابية موقفها من القضايا العربية. أما روسيا، فلا يخلو التعاون الراهن بينها وبين إسرائيل من تبادل خبرات التكنولوجيا المتقدمة، فكيف إن تذكرنا أن الدولة العبرية ساهمت في تطوير صناعات عسكرية في السلاح السوفياتي سابقاً. يضاف إلى ذلك دور المهاجرين في ترسيخ العلاقة بين الجانبين، ثم دور موسكو في ضبط إيقاع الحرب والسلام في سورية والمنطقة.
البرازيل لا تختلف كثيراً، بل إن العلاقات الاقتصادية لإسرائيل معها تطورت كثيراً في القطاع الزراعي المائي وفي الصناعة العسكرية في ظل حكومة الرئيس لولا دي سيلفا، على رغم ما رافقها من تأييد عارم على المستوى الإعلامي لفلسطين. والآن، صار هذا التضامن من أرشيف التاريخ بعدما استولى اليمين على الحكم، وهو الأكثر تطابقاً مع سياسات أميركا، والأكثر انفتاحاً على إسرائيل.
وتبدو جنوب أفريقيا الأكثر شجاعة والتزاماً بالمواثيق الأخلاقية في دعم الفلسطينيين، خصوصاً في ميدان المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية، كما في موقفها أخيراً معَبَّراً عنه بقرار حزب المؤتمر الوطني خفض مستوى التمثيل الديبلوماسي مع إسرائيل رداً على قرار أميركا نقل سفارتها إلى القدس.
مجموعة «بريكس» تضم نحو 44 في المئة من سكان العالم، ويزيد نصيب تجارتها الدولية على 22 في المئة، ودولتان من المجموعة عضوان دائمان في مجلس الأمن، ونحو 35 في المئة من استثماراتها الخارجية قائمة مع دول عربية. كل عناصر القوة هذه لم يحقق الدعم المطلوب للقضية الفلسطينية، ليبقى السؤال مفتوحاً عن زيارة «الترضية» التي قام بها مودي لرام الله، فهل يمكن اعتبارها مؤشراً إلى دورٍ دولي في إطار هذه المجموعة؟