صباح علي الشاهر
أغرب تعليق على إسقاط الطائرة الإسرائيلية f16 هو تعليق إعلامي معارض بكون الله قد سلط الظالم على الظالم ، واضح من هذا التعليق أن الجيش السوري المدافع عن أرضه ظالم ، والعدو الإسرائيلي المعتدي ظالم ، والله العادل سلط الظالم على الظالم ، ولما كان الظالم يساوي الظالم ، فالجيش السوري والإسرائيلي سواء ، وهذا لعمري قمة اللاموضوعية والهبل .
في كل حروبنا مع إسرائيل كانت ألغالبية العظمى من حكامنا ظلمه ، لا بل عملاء ، لكن أحداً لم يجرؤ على مساواتهم بإسرائيل المعتدية ، لم يقترف أحد جريمة المساواة بين المدافع عن أرضه والمعتدي ، وحتى لو كان المُعتدى عليه عدوك موضوعياً فالوقوف بوجه المعتدي المتجبر واجب إنساني وأخلاقي في أقل تقدير ، فكيف إذا كنت عربياً وسوريا وتدعي الإسلام ؟!
المتابع للإعلام العربي ، بالأخص الخليجي ، يُصاب بالدهشة ، هم لايريدون القول بأن الجيش السوري أسقط المقاتلة الإسرائيلية التي حسبوها لا تقهر ، وهم لايذكرون الأرض التي تم الإعتداء عليها من قبل إسرائيل ، ولا مواقع الجيش السوري، فيقولون مُحرفين الوقائع أن إسرائيل قصفت الإيرانيين وحزب الله ، وهم يزعمون أن المواجهة بين إيران وإسرائيل ، وأن إسرائيل حطمت القوات الإيرانية في سوريا، وفي أحسن الأحوال يقولون أن إسرائيل أحدثت مجزرة للمعدات والمنشآت الأيرانية وفقدت طائرة مقاتلة واحدة ، وبحساب الأرباح والخسائر تكون إسرائيل رابحة ، وإيران وحزب الله هما الخاسران !
وعندما نذهب إلى الإعلام العبري، نرى الصورة مختلفة ، هم في قلق وخوف عظيمين ، وهم لا يمتنعون عن القول ان إسقاط المقاتلة الإسرائلية كارثة، وأن ما بعد إسقاط الطائرة ليس كما قبله، وأن قواعد الإشتباك قد تغيرت ، وأن يد إسرائيل لم تعد هي اليد الطولى .
من أسقط المقاتلة الإسرائلية ؟
يجمع المحللون على أن صاروخ من طراز سام 5 ، وهو صاروخ قديم نسبياً ، هو من أسقط الطائرة ، وأن ثمة طائرة أخرى رصدها الرادار ، ثم أفلتت في آخر لحظة . وسام 5 كما هو معلوم صاروخ روسي ، أي لا إيراني ، ولا من إنتاج الصناعات الحربية لحزب الله .
بطاريات سام 5، كما يقول الباحث والمؤرخ د. كمال خلف الطويل تزود بها الجيش السوري عهد أندروبوف وحافظ الأسد ، ويؤكد أنها نفس البطاريات التي أسقطت قاذفتين أمريكتين فوق لبنان .
نستنتج من هذا أن سوريا والجيش السوري هما من أسقط المقاتلة الإسرائلية ، وهما من إعترض ويعترض صواريخ إسرائيل الذكية ، من دون إغفال دعم الأصدقاء والحلفاء، وأن – وهذ هو الأهم – سوريا لم تستخدم بعد ترسانتها من الإسلحة الحديثة التي زودتها بها موسكو مؤخراً ، وأن فخر الصناعة الأمريكية في مجال المقاتلات قد أسقطه صاروخ قديم نسبياً، فماذا سيكون وسيحدث لاحقاً فيما لو سمح الروس ، وهم سيسمحون حتماً ، في إستخدام الأسلحة المتطورة الحديثة، التي تعرف أمريكا قبل إسرائيل فاعليتها ، ودقتها.
خوف إسرائيل له ما يبرره، وموقف الأعراب أمر يصعب هضمه، لكن التهويل والمبالغة في حدث إسقاط الطائرة يجب التقليل منه .
صحيح أن هذا الحدث مفصلي في الصراع ، وهو مؤشر على شرخ واسع في جدار التخويف الذي إعتاشت عليه إسرائيل طيلة عقود ، بحيث بات في يقين العرب أن قوة إسرائيل الجوية لا تقهر ، مثلما كانوا يعتقدون أن الميركافا لا تقهر قبل أن يقهرها أبطال لبنان ويجعونها هشيماً ، لكن هذا الإنجاز – نقصد إسقاط الطائرة المقاتلة – يحتاج إلى أن يخرج من نطاق الحادث الفردي ، الذي قد يقول قائل أنه عرضي، نحتاج إلى تأكيد الإنتصار بانتصار مشابه ، ولكن هذا يعتمد على موقف إسرائيل التي تحسب لكل شيء حسابه ، فهل ستغامر بهجمة أخرى ، ومن نوع أوسع وأشمل ، أم أنها ستفهم الرسالة ، مثلما فهمت رسائل صواريخ حزب الله ، وإحراق الميركافا ؟
كل شيء سيتوقف على الموقف الإسرائيلي القادم، فإسرائيل باتت تشعر أنها لم تعد تلعب في السماء العربية وقتما تشاء، وبالشكل الذي تشاء، وهذا ربما يجعل الذين كانوا يخشون قوة إسرائيل، ويحاولون الإحتماء بها يتراجعون عن الرهان عليها، وربما يتغير موقفهم منها، إذن إسرائيل أمام خيارين، لا ثالث لهما، ومعضلة إسرائيل أن أي من الخيارين سيشكلان نهاية لأحلامها ، وفي الحالتين يكون إسقاط الطائرة قد حقق المراد منه ، فإن نكصت إسرائيل – وهو أمر غير متوقع- تكون قد دخلت مرحلة العد التنازلي ، وأن أقدمت على مغامرة جديدة – وهو أمر متوقع بناءا على طبيعتها العدوانية -، فعندها من المفترض أن تستعمل سوريا ما لديها من أسلحة ، وكذا حلفاؤها، رضي من رضى أورفض من رفض ، ويكون الحدث الذي عده البعض فردي أو عرضي ، قد تكرّس وإلى الأبد ، وعندها سيكون وجود إسرئيل على المحك.