زهير ماجد
ما زالت هنالك رموز تظهر بين الفينة والأخرى تجعل مساحة الارتباط بالقضايا الكبرى قائمة .. تذكرني عهد التميمي مثلا ، بان عالم الرومانسية يتحول احيانا إلى اكثر من واقعي. فتاة صغيرة تتجاسر على جندي مدجج، تضربه وتركله وتنهره، واحمد جرار ظل شهرا يعيش مطاردة ، ليس فيها من الهروب أي معنى، سوى انه عالم بمصيره المحتوم، وحين لاح له وقت الخروج الى العلن، تقدم برباطة جأش .. قاوم وفرض قتالا مفتوحا ثم استشهد.
ستظل تلك الامثال قائمة في اوطاننا المليئة بهذا النوع من خيار الشهادة، وكما يقول ألبير كامي علينا ان نبدع ميتات واعية، والوعي هنا فلسطين ولاجل فلسطين، وهي في النهاية جزء من امة ، حالة صراع ابدي وجودي.
كم عشت انا المواطن العربي الملتصق بفلسطين، ماكان يدهشني من مظاهر استبسال قام بها رجال من بلاد مختلفة، عرب وغير عرب، قدسوا القضية الفلسطينية، وصنعوا من اجلها احداثا لاتخطر على بال.
كلما مر هذا النوع من البشر في حياة قضية مقدسة تخص فلسطين او العروبة، يتذكر الاسرائيلي ان عدوه العربي صابر عليه لكنه سيأتيه ذات يوم بما لن يسعفه .. اما الاميركي الذي تناهى إلى اسماعي انه يخطط للبقاء محتلا لاراضي سورية، فاغلب الظن ان عقله قد تبخر، وهو ايضا ينكر تجاربه المرة ويتناساها .. كل قوته تحولت الى كرتون في اوقات سابقة .. ثمة كثير من السوريين والعرب الابطال يمارسون اليوم فعل الصبر المضني على خيارالاميركي فوق الارض السورية، والعراقية.
في معنى الاحتلال الغام متفجرة لا يدري المحتل متى تنفجر به وكيف. يقال ان الرئيس السوري بشار الاسد يمضي وقتا مع قيادته العسكرية يقلب فيها امور المرحلة المقبلة ازاء الاحتلالين الاميركي والتركي. حين نسأل مثلا عن اين اصبح مقاتلو ” داعش”، يمكننا الرد ببساطة انهم في متناول الاميركي الذي يحتضن وجودهم ويرعاه، ويقال ان الجزء الهام من السيطرة الاميركية على شمال سوريا، كامن في حماية الاميركي للداعشيين ، اضافة الى ابعاد وجوده ومعناها الاحتلالي.
في المنطقة العربية وخصوصا قضية فلسطين وقضايا جديدة مستجدة، ثمة رموز اغلقت وراءها ابواب تقبل اميركا بصيغتها الفاقعة في سورية والعراق، مثلما هو الشعب الفلسطيني الذي هضم منذ زمن بعيد ان لا شيء يعلو فوق صوت المعركة مع عدو وجودي.
هي كلمات السر التي بوشر التداول بها بين آلاف من امثال احمد جرار .. وآلاف من اسماء مختلفة قدموا مشاهد لاتنسى في كل العراق ضد الاميركي .. جانت الفرصة لقيادة مرحلة تتطلب زنودا نصر بأعلى الصوت انها اكثر من ان تحصى.
بكينا يوم رأينا الدبابة الاميركية في بغداد، لكن اساريرنا انفرجت في الطلقة الاولى ضدها .. كنا نعرف من هم العراقيون، مثلما نعرف السوريين، ومن هم ايضا الفلسطينيون، وقبلهم اللبنانيون، والحبل على الجرار.
يريد الاميركي الذي خرج من الباب العراقي ان يعود من شباكه، واما حساباته القائمة على معادلات متنوعة، وضمنها يسمي وجوده في سوريا ضرورة استراتيجية لتكامل الوجودين في العراق وسوريا وغدا لانعرف اين.
مرحلة قاسية تنتظرنا كما تنتظر الاميركي وكما ايضا الاسرائيلي. لن يهدأ لنا بال بوجود احتلال، لن يهدأ بال الاحتلال الا بخروجه الذليل، كما لن يكون امام الاسرائيلي الصهيوني سوى لعبة الموت التي سوف تتصيده وصولا إلى ما هو اعظم.