السفير إبراهيم يسري
تتحدث معاهد البحث و التحليل السياسي و الاستراتيجي منذ 2008 عن حرب الغاز في الشرق الاوسط ،كما تتوقع التقارير حربا للمياه بين دول المنطقة في مرحلة لاحقة.
وبعد ضرب الطائرة f16 الاسرائيلية تحدث السياسيون على أن التفوق الاسرائيلي الكاسح قد انتهي و انها اصبحت في مرمي صواريخ ايران وحزب الله ، ولهذا عقدت عدة اجتماعات للوزارة الاسرائيلية لدراسة هذا الوضع الجديد، و كثفت من ضغوطها علي أمريكا و أوروبا علي ضرب ايران. ولا بد أن تأخذ مصر و الدول العربية هذا في الحسبان في حومة اتجاهات التطبيع المتزايدة في الفترة الأخيرة.
ونتناول هنا الصدام الدائر حول الغاز فقد اعلنت في 19 فبراير الجاري أنباء تحتاج الي تدقيق عن هذه صفقة ضخمة لتصدير الغاز الاسرائيلي لمصر علي نطاق واسع وعندما قرأتها لم أتمالك شعورا بالعودة الي ما يشابه مأساة الاستيلاء علي ارض فلسطين استنادا الي وعد بلفور المشئوم .
و احزنني ما سمعته من نتانياهو عن الصفقة بخيلاء و وفرح بتحقيق اكبر انجاز لرفاهية المواطن الاسرائيلي . نتنياهو: هنالك تغيـر في مواقف بعض الشعوب العربية تجاه إسرائيل
فقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن أن الصفقة مؤكدا انها”ستدر المليارات على خزينة الدولة وان هذه الأموال ستخصص للتعليم والصحة والرفاه،” مشددا على أنها “ستعزز علاقات إسرائيل في المنطقة،”
و نعود الي تفاصيل الصفقة التي وصفتها الحكومة الإسرائيلية بأنها صفقة “تاريخية” تقدر بمليارات الدولارات لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، تزود بموجبها إسرائيل 64 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لمصر في صفقة وصفها وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينيتص بأنها “ستجعل إسرائيل لاعبا في مرافق الطاقة الإقليمية،” وفقا لما نقلته هيئة البث الإسرائيلية. و تمتد لعشر سنوات وتبلغ قيمتها 15 مليار دولار، و أنها تعتبر أكبر صفقة بين البلدين منذ توقيع معاهدة السلام.
وتاتي الصفقة بموجب “توقيع اتفاقين بين شركة ديليك الإسرائيلية، مالكة منشآتي الغاز ليفياتان) المصري )وتامار( اللبناني ) وشركة دولفينيوس المصرية وهي من فروع شركة القلعة تحت ادارة رجل الاعمال علاء عرفة في القاهرة،” زاعمة أن “هذه الصفقة تحظي بموافقة السلطات في كلا البلدين لتدخل حيز التنفيذ.”
وقد اثارني و ازعجني ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ان غاز العرب المنهوب لن يعزز اقتصاد وأمن إسرائيل فحسب، لكنه سيعزز أيضا علاقاتها الإقليمية، واصفا الاتفاق بأنه “يوم عيد”.وقال بفرح ظاهر انه يرحب بهذه الاتفاقية التاريخية التي ستُدخل المليارات إلى خزينة الدولة، وستُصرف هذه الأموال لاحقا على التعليم، والخدمات الصحية، والرفاهية لمصلحة المواطنين الإسرائيليين
ومما يقلل من مصداقية هذه الصفقة هو انها متناقضة مع وعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرا بأن بلاده ستكتفي ذاتيا من إنتاج الغاز الطبيعي قريبا،
عند زيارته حقل “ظهر” للغاز الطبيعي، الذي اكتشفته شركة “إيني” الإيطالية عام 2015، والذي يعد أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في مصر والبحر المتوسط.
وجاء أول تعليق رسمي مصري على الصفقة على لسان المتحدث الرسمي لوزارة البترول المصرية حمدي عبدالعزيز الذي شدد على أن وزارته ليس لديها تعليق على أي مفاوضات أو اتفاقيات تخص شركات القطاع الخاص بشأن استيراد أو بيع الغاز الطبيعي.
وقال في بيان إنه “سيتم التعامل مع أي طلبات تصاريح أو تراخيص ستقدم من قبل القطاع الخاص وفقاً للوائح المطبقة”.
وحول حقل ظهر قالت وزارة البترول المصرية إنه من المتوقع أن يرتفع إنتاج الغاز في حقل “ظهر” من 400 مليون قدم مكعب يوميا، إلى مليار قدم مكعب في منتصف 2018.
وسوف يسهم هذا المشروع الضخم في تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتداول الغاز والبترول بحلول العام المقبل.
وتجرى دراسة عدة خيارات لنقل الغاز المباع إلى مصر، من بينها استخدام خط أنابيب غاز شرق المتوسط.أو استخدام خط الأنابيب الأردني الإسرائيلي في إطار اتفاق لتزويد شركة الكهرباء الوطنية الأردنية بالغاز من حقل لفياثان.
وتأمل إسرائيل أن تمكنها احتياطاتها من الغاز من الاكتفاء الذاتي في حقل الطاقة مع آفاق تحولها إلى مصدر للغاز إلى أوروبا، فضلا عن استخدامه في تطوير علاقات استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.
ومن المهم الاشارة هنا أن هذا الاتفاق باطل من جميع الوجوه ،ولا يمكن أن يمر في ظل التطور الذي يشهده المجتمع الدولي في القرن 21 فهو يخالف نصوص و احكام اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار 1985 و التي اصبحت اليوم من القواعد الدولية الآمرة التي تلزم جميع الدول بتنفيذها، و بالتالي لا يتوقع ان توافق الحكومة المصرية علي هذه الصفقة تفاديا لمسئوليتها الدولية.
وتبطل الاتفاقية في المادة 74 بكل وضوح توقيع اتفاقيات ثنائية لترسيم حدود مناطقها الاقتصادية الخالصةوتلزم الدول المتقابلة و المتلاصقة بعقد اتفاقية واحدة للترسيم ، وفي حالة عدم الاتفاق الزمت الدول باللجوء لمحكمة قانون البحار في هامبورج او محكمة العدل الدولية تفاديا للتحكيم.
والواضح ان اسرائيل تحلم بتملك امبراطورية ضخمة للغازالعربي المنهوب ، فقد اعلنت تركيا عدم اعترافها باتفاقيات الترسيم بين مصر و قبرص و اسرائيل وصرح ميشيل عون وزير الدفاع اللبناني بان بلاده لن تسمح بالتعدي علي حقوقها في هذا المجال.
وللصراع جوانب أخري في الموقف التركي في الترسيم كما ان هناك مخططا غربيا لجعلها معبرا للغاز الايراني والعراقي الي اوروبا فيما يعرف بخط نوبوكو لتقليل الاعتماد عن الغاز الروسي ، كما أن قبرص و اليونان و اسرائيل تعد لخط انابيب عبر المتوسط الي اوروبا ايضا.