ثقافة اليأس والإحباط

6

 
بقلم : محمد فاضل الساعدي
 
معنى التفاؤل في معاجم اللغة هو استعداد نفسيّ يهيّئ لرؤية جانب الخير في الأشياء والاطمئنان إلى الحياة وهو عكس التشاؤم الذي يؤسس للفشل والانهزام , فهو يساعد الانسان على تحمُّل مصاعب الحياة وبلورة دواء القناعة والتحمّل في اعماق النفس ليعدو الانسان بقوة وشجاعة فوق جسر الصبر لعبور مصائب الدنيا وآلامها وخوض غمار مصاعبها وإيجاد مفاتيح الحلول على ضوء الأمل بغية الوصول الى غد أفضل وأجمل…
 
المجتمعات التي تسود أهلها ثقافة التفاؤل تجدها عاملة , مبدعة تكافح الصعوبات التي تمر غيومها السود في سماء تقدّمها , وتقف بكل صلابة واصرار أمام رياح الهموم العاصفة في مضمار وجودها فتدافع عن نفسها وأهدافها ولا تستسلم لأي ظرف سيئ يمر في تاريخ نضالها , فتراها تعاود النهوض كل مرة تسقط فيها أمام عُقد الحياة وتحرث بمعول صبرها صلابة الأرض اليابسة، متحدية قانون المستحيل لأي زمان ومكان تعيش فيه..
 
في وطني الجريح ليس عليك ان تُحقق وتستقصي الأدلة لتعرف ان هناك في أرض الرافدين أجندة لها أهدافها تعمل ليل نهار في سبيل بث روح الاحباط ونشر ثقافة اليأس في داخل المجتمع , فمنذ أعوام ومازلنا نعاني ونتألم ونُسقى رضينا أم أبينا كأس المرارة والحزن ونُكوى بنيران حارقة ونحن نُودّع كل يوم عزيزاً على قلوبنا .. الاجندة القاتلة تصنع الموت في بلادي ولكن بطرق مختلفة، فهي مرة تُؤجج نيران حروب دامية تأكل حممها اليابس والأخضر، ومرة تُسقي أهلها سم الفتن بعسل العقيدة أو تُعمي بصيرته برماد التعصب القومي أو المذهبي , ثقافة اليأس تُزرع في كل بقعة يجد العدو أهلها يتنفس هواءً صافياً مملوءاً بالألفة والمحبة , لتحول صفائها الى كدر وهم ، وحلاوته الى مرار وسقم..
 
الطرق في ايجاد الثقافة المقيتة لليأس عند هذه الاجندات لا تقف عند حد معين أو زمان ما لأنها تريد الوصول الى غايتها التدميرية بكل وسيلة ممكنة .. قد نلامس أدواتها أحياناً ولكننا كثيراً ما نجهلها ولقد أثارني أمر قد يراه البعض شيئاً غير مهم ولكنه رسالة موجهة , نلصقها بأيدينا لتخالط آثارها السامة أفكارنا وعقول ابنائنا , لنغرس برضانا نبتة قاتلة للوعي الباطن في ادراكنا لتتجسد مع مرور الوقت في تعاملنا وتصرفاتنا مع شركائنا في المجتمع, فمتابعة بسيطة لبعض الملصقات المنتشرة في كل مكان حيث يضعها كثير من الناس في الأماكن العامة وعلى وسائل النقل المختلفة صوراً توحي للإحباط والموت والظلمة لملصقات تحمل رسوماً تُجسد رجلاً يوضع على مقصلة ليُعدم، وآخر يحمل مسدساً يقتل آخر، ورجل يقوم بقتل امرأة أو بالعكس. أشكال مختلفة كلها مظاهر سلبية تخاطب باطن العقل لتملأه غيضاً وحقداً وعصبية، ويحوّل صفات أصحابه الى كائنات مفترسة وذئاب غاضبة .. هذه الملصقات يوجد لها نظير يشبهها بكل التفاصيل في المظهر الخارجي وارساء مبادئ العنف والدموية في الألعاب الالكترونية التي يحملها الكبار والصغار في الأجهزة المتنوعة ..
 
الغرب أسَّس لبناء ثقافة عالية للتفاؤل والتسامح والتعاون في داخل مجتمعاته وخطَّ بكنائسه عنوان المحبة والسلام .. لكنّه وجّه أسلحته الفتاكة الى بلادنا ليمحو روح الألفة والرحمة التي دعا لها الدين الاسلامي المحمدي الأصيل وصلب بحرب هوجاء خفية ناعمة، المبادئ والقيم والأخلاق الأصيلة التي تربت عليها الأجيال السابقة وأورثها لنا الأنبياء والأولياء ..
 
أطفالنا ينشدون في أعيادهم أناشيد الحروب ويرقصون على طبولها ويشترون اشباه الأسلحة يلعبون بها .. وأعداؤنا في أعيادهم يتبادلون الورود الحُمر والبيض ويعزفون الحان الحب والسلام .. انهم يرقصون بمكرهم وكيدهم بالحقيقة على جراحنا .. فمتى نستيقظ من غفلتنا ؟!.

التعليقات معطلة.