الدكتور محمد بكر
لم يعد مهماً ما ستكون عليه نتيجة المشروع السويدي الكويتي المقدم في مجلس الأمن لصياغة هدنة في سورية، لناحية توافق دولي أو سقوط متوقع للمشروع بالفيتو الروسي مجدداً، لافروف قبل حديثه عن الخطة ب التي تشرع الولايات المتحدة لتهيئتها لإسقاط النظام في سورية كما قال، كان قد أعلن أن الولايات المتحدة تلعب بالنار في سورية، في إشارة لمرحلة جديدة من الصراع تعيد فيها الولايات المتحدة رسم استراتيجيات مواجهة جديدة، وتهيئ القواعد لإطلاق سيناريوهات ميدانية متعددة، من هنا نفهم الغضب الأميركي الذي جاء على لسان ترامب نفسه لجهة سلوك الخصوم الروس وحلفائهم في طهران ودمشق، وكذلك حديث نائب وزير الخارجية الأميركي لجهة ماسماه صعوبة التعامل مع روسيا في الملف السوري.
ما بعث الغضب في النفس الأميركية خلال الفترة الماضية، هو قدرة موسكو وحلفائها على التعامل السريع مع تطورات الميدان، ولاسيما في المكتسبات التي حققتها دمشق في تغيير قواعد الاشتباك، وجملة الرسائل الشديدة التي بعثت بها حادثة إسقاط الطائرة الإسرائيلية في سراقب، وكذلك إصرار دمشق وبمباركة ودعم روسي إيراني على” تصفية” الجغرافيا وحصد نقاطاً بالجملة في مسار العملية السياسية، التي وجدت أمامها الإدارة الأميركية نفسها مغيبة عن تقاسم المخرجات السياسية، وفرض رؤى بعينها على شكل ومضمون الحل السياسي في سورية، من هنا جاءت العملية العسكرية في الغوطة الشرقية من جهة، ونجاح دمشق في جذب الكرد على قاعدة تمتين وتعزيز الحضور الميداني في الشمال وتالياً التمهيد لنسف أي مشاريع أميركية في تلك المنطقة، محرضاً للتصعيد الأميركي الجديد.
لانعرف بدقة ماهية الخطة ب التي تحدث عنها لافروف، وماهو شكل الخطوات التي ستتخذها واشنطن في رسم ملامح جديدة للصراع في سورية، وإن كانت ستعتمد ( أي الخطة) على ذات النهج المتمثل بالمواجهة غير المباشرة عبر أوراق جديدة يعاد بناؤها وتشكيلها على أسس تسليحية استراتيجية تؤلم الخصم، أو ربما تغيير خارطة التحالفات وقلبها كلياً، وتحديداً لجهة مايحدث في الشمال، بمعنى البناء على جزئية، أساسها التقارب مع أنقرة التي لا يبدو أنها ستتراجع بسهولة عن معركة عفرين، برغم سيل من الرسائل التي بعث بها دخول دمشق على خط المواجهة المباشرة ، وإرسالها لقوات شعبية قالت انها لصد العدوان التركي، سيما وأن أردوغان المأزوم في الشمال، والذي يلاحظ تخلي الروس عن الطرق السياسية، وإنهاء الصمت حيال السلوك التركي في الشمال، يشكل حالة مثالية لواشنطن وأرضية مهمة لبناء جديد الاستراتجيات في المواجهة الميدانية.
المشهد السوري يدخل مرحلة جديدة من الصراع، تدفع فيها الأطراف الإقليمية والدولية التي انخرطت في الحرب السورية ، والتي نالها الكثير من محطات عض الأصابع في مراحل عديدة من المواجهة مع موسكو وحلفائها، إلى مشهد مختلف عنوانه حرق الأصابع.