أحمد عبد الباسط الرجوب
انتظر الأردنيين بفارغ الصبر ساعة بزوغ شمس يوم الاحد الواقع بتاريخ 18 شباط / فبراير 2018 عشية يوم الحسم بطرح الثقة بحكومة الرئيس الملقي والتي بات الشارع الأردني بكامل اطيافه ينظر اليها بعين من الريبة والشك على انها حكومة الوطن والتي ترعى مصالح المواطنين على اختلاف مشاربهم وبخاصة ما فرضته عليهم من حزم الضرائب في مطلع العام الحالي على العديد من السلع والمواد، كما رفعت الدعم عن مادة الخبز بهدف خفض الدين العام الذي يبلغ حوالي 35 مليار دولار والحبل على الغارب … هذه الضرائب التي اثقلت كاهل الاسر الاردنية والذين أصبحوا عاجزين على تلبية احتياجاتهم اليومية وحتى البسيطة منها …
ومع كل هذا فقد عول المواطن الأردني ان يقوم مجلس النواب بممارسة مهامه وواجبه الوطني تجاه من اوصلوهم للجلوس تحت القبة ، وكانت المفاجأة في يوم الاحد بان تباينت اراء النواب عن الاقوال وكانت النتيجة في تجديد الثقة لحكومة الملقي، في خطوة كانت متوقعة بالنسبة للكثيرين، خاصة وأن الأجواء التي سبقت عملية التصويت كانت توحي بذلك بخروج حكومة الملقي من عنق زجاجة اختبار النواب قبل خروج الأردنيين من عنق الزجاجة المنتظر في منتصف العام القادم 2019 كما بشرنا دولة الرئيس في اخر اطلالة له من على شاشة التلفزيون الاردني…
وفي تحليل بسيط وواقعي الى ما آل اليه مارثون طرح الثقة بالحكومة وإن استطاعت تجاوز اختبار البرلمان إلا أن ذلك لا يعني أنها خرجت منه قوية، لأن عدد من صوتوا لصالحها كان محدودا نسبيا، فقد منح الثقة 67 نائبا، مقابل 49 نائبا صوتوا لصالح الحجب، وامتنع 4 فيما غاب 9 نواب عن الجلسة، واللافت أن هناك من النواب وبينهم إسلاميون من وقعوا على مذكرة الحجب، قد غابوا الاحد عن جلسة التصويت وهذا يظهر بأن كتلة الإصلاح النيابية ومن خلفها جماعة الإخوان أرادت تسجيل موقف وإحراج من يهمة الامر، والأهم بالنسبة لها هو التملص من ” تهمة ” المساهمة بشكل غير مباشر في تمرير قانون الموازنة لعام 2018 والتي أثارت غضب الشارع …
وفي هذا السياق وعلى ضوء التصويت النيابي بمنح الثقة ” 67 صوتا ” فإننا نرى بأن الحكومة في وضع هش قد يعرضها للإقالة من قبل الملك أو أقله لتجاوز ذلك اضطرارها لإجراء تعديلات على فريقها الاقتصادي وهو ما رشح فعلا فيما تم تداوله عن قيام الرئيس الملقي بأجراء مشاوراته السرية بهذا الاتجاه…وماذا بعد تجديد الثقة؟… دعوني واياكم ان نعود قليلا للوراء والى المقابلة التلفزيونية الاخيرة مع دولة الرئيس واوثر ان اسميها ” لقاء عنق الزجاجة ” ، وحينها برأيي لم يكن مقنعاً دولته ودونت الملاحظات التالية على تلك المقابلة وهى:
عندما اطل علينا دولته لتوضيح المشكلات الإقتصادية وإلقائه اللوم على الحكومات السابقة وفي دورها ” اي الحكومة السابقة ” من أنها قد أوصلت البلد إلى الوضع الاقتصادي الراهن، وما زلنا في عنق الزجاجة ولم نخرج منه ” اوافق الرئيس هذه تراكمات ” ، لكن هذا لا يُبرر أبداً ، واعتقد انها اسطوانة عزفت بها كل الحكومات التي جثمت على ظهورنا وكاني بها تتلمذ على طريقة شيخ واحد في فن التبرير، ولكن للأسف ما زال الوطن في عنق الزجاجة حتى يقضى الله امرا كان مفعولا… وهنا واجب الرئيس تقديم جُلْ الشكر للنواب الذين صوتوا لدولته كما قال بعد فوز الثقة الثالثة واخرجوا الحكومة من عنق الزجاجة…
تحدث دولته أن هناك ” مليار و 300 مليون ” تم صرفهم من قبل الحكومة السابقة بشكل غير دستوري وخارج الموازنة، من المسؤول عن ذلك؟. والسؤال هل فعلا هناك ممارسات تمت من الحكومات السابقة أوصلت البلد إلى ما وصلت إليه، لماذا لا يُحاكم هؤلاء الذين أوصلوا البلد إلى ما وصلت إليه … سؤال برسم الاجابة…
عندما تحدث عن التراكمات والترهل والفساد الذي أشار إليه دولته، وبنفس السياق ما ذهب اليه الوزير الثاني في الحكومة في احدى مقابلاته لاحدى الفضائيات المحلية حيث أشار إلى ان هناك مؤسسات بعينها ودوائر حكومية يوجد فيها فساد… والسؤال هنا لماذا لا يتم بتر واستئصال هذا الفساد؟ … الى ماذا ننتظر ولماذا السكوت على هذه الآفات الخطرة؟…
بدى الانزعاج واضحا على دولته عندما عرج في كلامة على المنظرين الاقتصادين والكتاب الذين يدلون بارائهم حول القضايا التي اخفقت الحكومة بالتعامل معها … الى اخر تلك الجزئية ، وهنا اعتقد سيدي دولة الرئيس ان الفضاء مفتوح لكل المجتهدين للادلاء بارائهم ” هذا معمول به في كثير من ديمقراطيات دول العالم ” ولكم ان تاخذوا بنصائحهم او تغلقون اذان فريقكم الاقتصادي عن كل هؤلاء المغردين…
وعودا للثقة النيابية وبالنظر الى مداخلة الرئيس الملقي – عند اعلان رئاسة مجلس النواب فوز الحكومة بالثقة الثالثة – حيث قال إن الحكومة لن تؤجل قراراتها، وإنه سيتعامل مع جميع النواب المانحين للثقة والحاجبين لها، وهنا لا بد من الوقوف عند هذا الكلام ” إن الحكومة لن تؤجل قراراتها ” واخذ ابعاده على الصعيدين ” الشعبي المحتقن والنواب المانحين للثقة “، ويبدو لي بأن الرئيس جاد في مواصلة برنامجه الاقتصادي المفروض على الحكومة من صندوق النقد الدولي وتداعيات الوضع الاقتصادي المتفاقم في بلادنا ، حيث سيشهد الاردنيون أيام قادمة تشتد قساوتها ” انا لست من المهولين للمشهد ” ولكن محاكاة الواقع بعقلانية تجعلني ارى الوضع العام فيه شيء من عدم وضوح الرؤيا الذي يقابله عدم اكتراث حكومي جاد ومقايضة النواب لمصالحهم الخاصة وفي معزل عما ينادي به المواطنون الذي يلزمة التحرك وبسرعة وعلى مستوى الوطن واشراك الشعب بتداعيات الوضع الاقتصادي في غياب المساعدات والمنح الخارجية وبخاصة التي كانت تقدّمها دول الخليج العربية الى بلادنا ..
في نشوة فوز الحكومة بثقة النواب الثالثة اتوجه لدولة الرئيس بأنه قد بات بيدكم عمل ما تريدون في التعديل المنتظر على حكومتكم …وقبل الشروع في مشاوراتكم لأجراء التعديل الوزاري المرتقب على حكومتكم دعني اهمس في اذنكم مذكرا بما يلي:
في تشكيلة حكومتكم الحالية هناك بعض ممن يحملون الحقائب الوزارية في قد طال عليهم الزمن ” بكالوريوس وزير ” وعليهم علامات استفهام كبيرة على أدائهم والأداء غير المرضي للشعب ولا يقوموا بواجباتهم الوظيفية ولم يطالهم التغيير ” عابرين للحكومات ” ولا يلبوا احتياجات المجتمع وفقا لتحديات المرحلة الراهنة ولو فتحت ملفات وزارتهم لوجد فيها ما يزكم الانوف من تفشي للفساد والمحسوبية وما جلبوه لوزاراتهم من القروض لتنفيذ مشاريع عديمة الجدوى الاقتصادية والتي سوف تكون عائقا لمن يأتي بعدهم على أداء مهامه في الحد الأدنى منها … وعلى النقيض من ذلك دعني اذكرك سيدي دولة الرئيس بأن وزارة النقل قد اعتلاها خمسة قباطين ” مفردها قبطان ” منذ تسلمكم امر الولاية العامة في بلادنا … فاين الاصلاح يا قوم…
إن الوضع الإقتصادي في البلاد خاضع لارشادات ووصفات بنك النكد الدولي وهذا ناتج عن سوء ادارة فريقكم الاقتصادي بمعالجة القضايا الاقتصادية الساخنة ومنها على سبيل المثال لا الحصر تدني حجم الصادرات والبطالة الاخذه في الارتفاع حيث وصلت الى مؤشر (16% ) ، وهو خطر يؤرق الاردنيين على اختلاف شرائحهم ، وعليكم استغلال الاشهر القادمة ” فسحة الزمن ” في امد الفرصة الاخيرة التي منحت لكم ولفريقكم العامل معكم لاعادة ترتيب اوراق الحكومة من جديد حتى يلحظ الناس ان شيئا ما ايجابي قد بدأت الحكومة في انتهاجه حتى تكون الحكومة قادرة على قيادة الناس… فكيف للحكومة أن تجعل الشعب يتفاعل ويُشارك، شعبنا حتى اللحظة عازف ويشعر بالأسى والسلبية ، بدلاً من أن يعودوا للحراك من جديد ولكن هذه المرة ان حصل لا سمح الله سيكون من نتاج تدابير الحكومة غير المجدية…
وختاما .. فقد صمت النواب علي حق الاردنيين في تحقيق مطالبهم؟! …