«السماء ما زالت في مكانها»!

1

سمير السعداوي
ليس غريباً إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، هو الذي لم يردعه منطق عن الدعوة قبل أيام إلى تسليح المدرّسين لمكافحة العنف في المدارس، وبالتالي، قد لا يتوانى يوماً عن اقتراح تسليح الأطباء والممرضين لحفظ الأمن في المستشفيات… بطبيعة الحال، فإن في هذا النوع من النزعات الغريبة، تجاهلاً للسبب الحقيقي للعنف المرتبط بجرائم قتل بالرصاص من دون مبرر، وهو انتشار المخدرات والسلاح.
 
وبطبيعة الحال أيضاً فإن رجل أعمال ثري مثل ترامب استغل تنامي الشعبوية (الناجمة عن جهل) وتوافر أموال تبرعات للوصول إلى كرسي الرئاسة، ليس الشخص المناسب للتحدث إليه عن عملية السلام في المنطقة فهو لا يريد الإحاطة بأصل السبب المتعلق بالعنف في الشرق الأوسط، وذلك لعجزه عن الضغط على شركائه في تل أبيب.
 
فيما كان العالم منهمكاً مساء الجمعة الماضي، في البحث عن سبيل لوقف سفك الدماء في الغوطة الشرقية، كان اهتمام البيت الأبيض منصباً على كيفية «تهريب» قرار نقل السفارة تحت «غطاء من نار» الحرب الدائرة في سورية.
 
الجماعة في مكان مختلف تماماً وقد يصح القول إنهم في كوكب آخر. ترامب يخاطب مؤتمراً للمحافظين في إطار حملة مبكرة لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل ويدافع عن «حق الأميركيين دستورياً في حمل السلاح»… لإرضاء لوبي صناعة الأسلحة الذي يقدم تبرعات سخية للحزب الجمهوري، شأنه في ذلك شأن كثير من رجال الأعمال الأثرياء الذين يتطلعون إلى جهود الإدارات الأميركية المتعاقبة في خفض الضرائب على أرباحهم.
 
وأحد أبرز هؤلاء الأثرياء الأميركي- اليهودي شيلدون أديلسون الذي جمع أمواله من كازينوات قمار يملكها في لاس فيغاس وهو مقرب جداً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. أديلسون نفسه الذي أسهم في حملة ترامب الانتخابية بمبلغ 30 مليون دولار يضغط لنقل السفارة، عارضاً دفع تكاليف بناء مقر لها. لمَ لا؟ ما دام أن خطوة كهذه تشكل «خشبة خلاص» لنتانياهو الغارق في فضائح فساد طاولته وأسرته، وشهد عليها مقربون منه. ولا شك في أن خطوة من قبيل نقل السفارة من شأنها إعادة تعويم نتانياهو الذي من المقرر أن يزور واشنطن بعد أيام للقاء الرئيس الأميركي والاحتفاء معه بالقرار «التاريخي» الذي يتزامن مع الذكرى السبعين لإعلان قيام «دولة إسرائيل»، وهي المناسبة التي يسميها الفلسطينيون ومعهم شعوب الدول المجاورة وبعض «أحرار العالم» بـ «النكبة».
 
ترامب اعتلى مساء الجمعة منبر مؤتمر المحافظين في واشنطن ليبرر «ضغوطاً هائلة» دفعته إلى قرار الاعتراف بالقدس عاصمة الدولة العبرية ونقل السفارة إليها. ويقر في المقابل بأنه نجح في تجاهل دعوات «المزيد والمزيد من البلدان والأشخاص (الذين) التمسوا ألا أفعل ذلك». وأضاف: «قلت إن ما علينا أن نفعله وهو الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به. وفعلت ذلك».
 
في الوقت ذاته، كانت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي قد فصلت نفسها عن الحدث الأساسي الدائر في نيويورك، لتختار بدل المشاركة في جهود التهدئة في سورية، مخاطبة معهد السياسات في جامعة شيكاغو، أيضاً عن قرار نقل السفارة، باعتباره الشغل الشاغل أو كأنه الأولوية المطلقة للإدارة الأميركية. ومن اللافت قولها إن عدداً من المسؤولين في الإدارة «كانوا خائفين من أن تطبق السماء على الأرض» لدى صدور الإعلان الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل نحو ثلاثة أشهر. وأضافت: «لكن السماء ما زالت في مكانها»!

التعليقات معطلة.