د. عباس عاصي
لا شك ان الانتخابات النيابية القادمة سوف تشكل منعطفا في الحياة السياسية اللبنانية. فهي لاول مرة تجري باعتماد قانون انتخابات مختلف كليا عن القوانين التي اعتمدت سابقا، كما انها تاتي بعد تأجيلها لثلاث مرات والتي تعتبر سابقة بعد انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية. فقد اعتمد سابقا قوانين انتخابات قائمة على النظام الاكثري. ساهمت في ايصال اكثريات ساحقة الى البرلمان او ما يعرف بالمحادل الانتخابية. كما ساهمت في تعميق الشرخ بين الاطراف السياسية عبر وصول اكثريات حزبية تمثل طوائف محددة مما جعل الصراع السياسي بين هذه الاطراف يمتد الى الاوساط الشعبية التي تمثلها هذه الاحزاب. هذا ايضا شجع القوى الخارجية على بناء تحالفات مع القوى الاكبر في البرلمان لضمان تأثيرها على الحياة السياسية مع ما يترك ذلك من تأثير على الواقع السياسي اللبناني.
المفارقة هذا العام ان الانتخابات النيابية غير محسومة النتائج كما كان يحدث سابقا، وهناك خلط كبير في التحالفات السياسية بخلاف انتخابات 2005 و2009 التي جرت ضمن تحالفات محددة وواضحة تعكس الانقسامات السياسية، وقد ساهم القانون المعتمد حاليا في اعادة خلط هذه التحالفات وانهاء ما يسمى تحالف قوى 14 و8 اذار الذين رسما معالم الحياة السياسية اللبنانية منذ اغتيال رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005.
يتميز الفانون الحالي بالامور التالية: اولا، تم تقسيم الدوائر الانتخابية بناء على معايير طائفية لضمان وصول الصوت المسيحي الى البرلمان. فقد اصرّ التيار الوطني الحر على تقسيم الدوائر وتمييز الصوت التفضيلي كي يضمن تأثير الصوت المسيحي على اختيار مرشحه ووصول صوته الى الندوة البرلمانية، هذا سوف يمكنه ايضا من الحصول على اكبر كتلة نيابية مسيحية في حال اصابت حساباته، خصوصا وان رئيس التيار الوطني الحر قد خسر في الانتخابات النيابية مرتين (2005 و2009).
ثانيا، سوف يدفع هذا القانون المرشحين الى البحث عن الناخبين لان المظلة الحزبية لم تعد كافية لضمان فوزهم في الانتخابات. فقد أُعطي الناخب حق الاختيار بين المرشحين (الصوت التفضيلي) ولذلك سوف ينتخب المرشح الاقرب لتطلعاته وربما الاكثر تواصلا مع الناخبين. كان المرشحون في السابق يعتمدون على القدرة التجيرية للاحزاب. لذلك كان يلجأ الافراد الى انتخاب اللائحة كاملة خصوصا وان اللوائح المنافسة لن تستطيع الحصول على عدد الاصوات الذي يضمن فوزها بسبب النظام الاكثري المعتمد في حينها. اما الان فيستطيع الناخب ان ينتخب اللائحة كاملة ولكن يحق له تفضيل مرشح على اخر وبذلك ينجح المرشح الذي ينال العدد الاكبر من الاصوات التفضيلية.
هذا سوف يدفع ايضا الاحزاب السياسية الى ان تاخذ في الحسبان عند اختيار مرشحيها الحيثية الشعبية والكفاءة لكل مرشح لضمان حصولهم على الصوت التفضيلي الذي يضمن فوزهم، بينما في السابق كان الاختيار احيانا عشوائيا بسبب اطمئنان القوى السياسية لفوزها في الانتخابات.
على مستوى التحالفات، سوف تلجأ القوى السياسية الى اعادة صياغة تحالفات جديدة مختلفة عن تلك التي عُقدت خلال انتخابات عام 2009، خصوصا وان القانون الجديد اعاد صياغة الدوائر الانتخابية بشكل مختلف عما كانت عليه سابقا. هذا سوف يساهم في التخفيف من الهوة السياسية وترميم الانقسام السياسي الذي عانته البلاد منذ اغتيال الحريري الاب ومن حدة الصراع السياسي وتداعياته على الواقع الاجتماعي والاقتصادي.
كما يسمح ايضا لغير القوى السياسية التقليدية بان تؤمن لنفسها مقاعدا في المجلس النيابي الجديد في حال استطاعت صياغة خطاب مقنع يلبّي طموحات المجتمع اللبناني. هذا يعتمد على قدرتها على اختيار مرشحين يتمتعون بالخبرة والحيثية الشعبية. على الرغم من ذلك، لا يمكن الجزم بان القوى الجديدة سوف تضمن فوزها في الانتخابات خصوصا وان تجربة المجتمع المدني في لبنان ليست مشجعة بسبب التدخلات السياسية واعتماد جزء كبير منه على التمويل الخارجي.
على الرغم من العيوب التي تعتري القانون الحالي الا انه يبقى افضل من القوانين السابقة. فهو يُعطي الفرصة للقوى السياسية غير التقليدية للمشاركة في الانتخابات. كما انه يشجع النواب الناجحون على السعي لتقديم الخدمات لمناطقهم وتعزيز دورهم التشريعي كي يبنوا قاعدة شعبية وازنة تضمن لهم الفوز في الانتخابات القادمة من خلال الصوت التفضيلي.
يبقى الامل معقودا على تطوير القانون الحالي بحيث يتم اعادة تقسيم الدوائر على اسس وطنية وليس طائفية. الخطوة الاسياسية لتطوير القانون الحالي هي عبر اعتماد المحافظات دوائر انتخابية عوضا عن تشكيل دوائر بشكل عشوائي فقط لضمان تأثير فئة معينة على الانتخابات النيابية.