كتبه: جاستن تشيك، مورين فارال، برودي ميولنز
تعيد المملكة العربية السعودية تقييم استراتيجيتها المالية، التي تشمل مليارات الدولارات، بسبب التحولات التي طرأت على المشهد السياسي الأمريكي، وتدرس ما إذا كانت ستدرج أسهم “أرامكو” المتعلقة بالطرح الأولي في أماكن أخرى.
ووفقًا للأشخاص الذين شاركوا في وضع هذا المخطط، فإن هنالك حَدثين شجّعا كبار المسؤولين السعوديين والمستشارين الخارجيين على تبني هذا الموقف، يتمثل الأول في إقرار الولايات المتحدة تشريع قانون يسمح لضحايا الإرهاب بمقاضاة المملكة العربية السعودية، في حين أن الحدث الثاني جاء نتيجة لفوز دونالد ترامب، الذي يعتبر من أشد مساندي هذا المقترح، بالانتخابات الرئاسية.
وفي العرض العامّ الأولي لشركة النفط، التي تعد أكبر منتج للنفط في العالم والتي تعرف باسم أرامكو، قالت الشركة إن عائدات إنتاجها من النفط للسنة المقبلة أو لسنة 2018 سيرتفع بنحو 100 مليار دولار، ومن المرجح، أن تعمل البنوك على إبرام صفقة قد تجلب نحو مليار دولار من الرسوم.
في حين لم يقرّ المسؤولون السعوديون بعد أين سيقومون بإدراج الأسهم، يقول المصرفيون إن بورصة نيويورك تعد أفضل مكان لتستثمر فيه مثل هذا العرض الضخم، كما أكد بعض الأشخاص المطلعين على الأوضاع، بأن الحكومة اجتمعت مع مسؤولين من العديد من البورصات بما في ذلك بورصة لندن.
كما يبحث المسؤولون السعوديون والمستثمرون عن كيفية استثمار المال المجمع في صندوق الاستثمارات العامة في المملكة، بالإضافة إلى أنهم يعملون أيضًا على تفعيل صندوق الثروة السيادية والتوجه نحو الاستثمارات غير النفطية في الخارج، وهو ما من شأنه أن يُحسن من رأس المال الحاليّ لشركة أرامكو.
من جهة أخرى، رفض متحدث باسم الصندوق التعليق على تمرير قانون الإرهاب وعن ردة فعلهم تجاهه، كما رفضت كل من شركة أرامكو وبورصة نيويورك أن يعلقا أيضًا على العرض العامّ الأولي الذي اقترحته الولايات المتحدة.
في الواقع، إن ما أثار قلق السعوديين هو مشروع القانون الذي مُرر في سبتمبر والذي يقضي بالسماح لضحايا هجوم الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر الذي جدّ في سنة 2001 بمقاضاة المملكة العربية السعودية والمطالبة بالتعويض، واتهم الضحايا الناجين من الهجوم، السعودية بدعم الأشخاص الذين شنوا الهجوم خاصة وأنه ما بين 15 و19 شخصًا منهم كانوا سعوديين.
في المقابل، نفت السعودية أي صلة رسمية لها بهذه الهجمات، كما خَلُصت التحقيقات التي أجريت من قبل لجنة هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر إلى عدم وجود أدلة كافية تدين الحكومة السعودية أو المسؤولين في ضلوعهم في هذا الهجوم الإرهابي.
وصرح أولئك الذين شاركوا في وضع خطط الاستثمار في البلاد أن تحميل السعودية مسؤولية هذا الهجوم جعلهم يشعرون بالقلق على مصير المعاملات الضخمة التي تجمعها مع الولايات المتحدة والتي من الممكن أن تُعَرض أصولها إلى أحكام قضائية.
وكثفت السعودية عمليات الضغط التي تشنها من أجل القضاء على قانون مكافحة الإرهاب خاصة عقب تجاهل الكونغرس للفيتو الذي أعلنه الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما، ولذلك حاولت اللوبيات التابعة للملكة العربية السعودية الضغط على النواب لتعديل القانون وجادلوهم بأن هذا الإجراء مبالغ فيه كما أن عواقبه ستكون وخيمة، حيث يمكن أن يسمح للأفراد الأجانب برفع دعاوى قضائية ضد الولايات المتحدة.
من جهتها، أكدت لوبيات الضغط على أن هذا القانون من شأنه أن يؤثر على خطط الاستثمار الأمريكي في المملكة العربية السعودية وهو ما سيكون له انعكاسات سلبية على العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة اللأمريكية والمملكة العربية السعودية.
وتوقع العديدون في واشنطن من المشرعين أن يكونوا “مرنين” مع القانون بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية التي عقدت في تشرين الثاني/ نوفمبر، ولعل هذا ما نوه إليه زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، ميتشل ماكوينل في أيلول/ سبتمبر، وفي ذلك الوقت، كانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، المرشحة التي يُتوقع فوزها بالانتخابات، لكن الآن وبعد هزيمتها، عاد البيت الأبيض من جديد إلى توجيه سلسلة من الانتقادات للسعودية.
وتجدر الإشارة إلى أن النواب في الكونغرس لم يُعيدوا النظر في هذا القانون منذ الإعلان عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات ليتم تأجيل هذه المسألة سنة أخرى خاصة أن الرئيس أعرب في العديد من المناسبات عن عدم اهتمامه بتنقيح هذا القانون.
وكان ترامب مصرًا على دعم مشروع هذا القانون ووصف حق النقض الذي استخدمه أوباما بالمخزي واعتبره من أكثر النقاط ضعفًا خلال فترة رئاسته.
موظف شركة أرامكو السعودية يقف عند الزاوية المخصصة للشركة التي يمثلها في فعاليات مؤتمر بيتروتيك لسنة 2016، وهو معرض ومؤتمر لصناعات تكرير النفط والبتروكيماويات الذي عقد في المنامة، البحرين في أيلول/ سبتمبر.
وفي بيان سابق، صوّت الكونغرس ليسقط حق النقض الذي استخدمه أوباما، ووفقًا لما صرح به ترامب قائلاً “إذا انتخبت لأكون رئيسًا للولايات المتحدة، فلا أظن أنني سأمضي على مثل هذا القانون”، لكن ترامب لم يعلق على هذا التصريح على الرغم من التعليقات التي انهالت عليه عقب فوزه.
كما أقر ترامب بمساندته للسعودية وبأنه يعتبر نفسه من بين أصدقائها لذلك اختار الجنرال جيمس ماتيس، أحد المؤيدين للسعودية منذ فترة طويلة، ليشغل منصب وزير الدفاع، كما طرح ترامب عدة تساؤلات بشأن الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة للمملكة، لكن على خلاف ما صرح به ترامب، فإن السعودية تواجه عدة تحديات من بينها تشجيع ترامب لسياسة الترفيع من إنتاج الولايات المتحدة للنفط والحد من الواردات.
وتمتلك الشركات السعودية حصصًا في مصافي النفط الأمريكية وهي بصدد التوسيع في مجال البتروكيماويات، لكن وفقًا لتصريحات مستشار ترامب هارولد هام، الرئيس التنفيذي لشركة “كونتينانتال” لإنتاج النفط، فإنه لا ينبغي أن يسمح للسعودية بامتلاك مصانع البتروكيماويات في الولايات المتحدة بما أن ذلك يتقاطع مع مصالح الدولة التجارية، حيث إنهم بذلك سيتعاملون مع السعودية بدلاً عن الشركات المحلية.
وأضاف هام، الذي كان مستشارًا للطاقة لدى ترامب في أثناء حملته الانتخابية “أنهم يَصبُون فقط إلى ترويج منتجاتهم النفطية دون سواها، ونحن مصرون على ذلك ولن نتراجع أبدًا عن هذا القرار”، وفي هذا السياق، رفض المتحدث الرسمي باسم الحكومة السعودية التعليق على التصريحات التي أدلى بها هام.
إن العرض الذي قدمته السعودية يعتبر جزءًا من استراتجيتها للحد من اعتمادها على النفط والتوجه نحو سياسة التنوع الاقتصادي، وبحسب ما قاله المطلعون على هذا الشأن، فإنه بموجب الخطة التي وضعها ولي ولي العهد السعودي فإنه سيتم منح حصة تبلغ نحو خمسة بالمائة أو أكثر من أسهم أرامكو للأسواق العامة، وبالتالي، فإن الإقدام على مثل هذه الخطوة سيحرك دواليب الاستثمار محليًا ودوليًا على حد سواء.
وخلال شهر يونيو/ تموز، وضع صندوق الثروة السيادية قرابة 3.5 مليار دولار في شركة “أوبر تكنولوجيز”، وصرح شخص مطلع على هذه العملية بأنه “حتى خلال تلك المفاوضات، كان المناخ السياسي في الولايات المتحدة مصدر قلق للمستثمرين السعوديين ومستشاريهم، ولكن في الوقت الراهن، يعتقد هؤلاء الناس أنه لن يكون هناك ما يكفي من الأصوات في الكونغرس لتجاوز حق النقض الذي مارسه أوباما، ووفقًا لشخصين آخرين مطلعين على هذه المسألة، فإنه بعد إتمام هذه الصفقة، سيتمكن الصندوق السعودي من تحقيق استثمارات كبيرة في شركات أخرى للتكنولوجيا في منطقة سيليكون فالي.
وفي يوليو/ تموز، التقى ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بالعديد من كبار مستثمري رؤوس الأموال في سيليكون فالي، مشيرًا إلى أنه يعتزم القيام بمزيد من الصفقات على غرار الاستثمار في شركة أوبر.
وفي شهر أيلول/ سبتمبر، صوّت مجلس النواب لتجاوز “الفيتو” الذي قدمه أوباما، وبالتالي، أعرب الصندوق السعودي أنه سيستثمر 45 مليار دولار في صندوق تديره شركة إنترنت واتصالات يابانية عملاقة تدعى مجموعة “سوفتنبك كور”.
وفي هذا السياق، يقول العديد من الناس الذين لهم دراية كاملة بالخطط الاستثمارية للحكومة السعودية إن المسؤولين السعوديين قرروا القيام باستثمارات ضخمة في مجموعة “سوفتبنك” اليابانية بعد قانون مكافحة الإرهاب، وقد توجهت الأموال التي كانت من المرجح أن تذهب مباشرة إلى الشركات الاستثمارية الأمريكية إلى شركة سوفتبنك اليابانية.
وتكمن الأسباب التي تقف وراء اهتمام السعودية باستثمار أموالها في مصرف سوفتبنك الياباني في قدرتها على استثمار مبالغ ضخمة في مشروع واحد، كما أنها ستتمكن من عقد صفقات هامة مع بعض كبار رجال الأعمال في العالم.
لكن من المرجح، أن ينتهي المطاف بالمال الذي استثمرته السعودية في سوفتبنك في أحضان الولايات المتحدة عن طريق الاستثمارات التي تقوم بها مجموعة سوفتبنك هناك، وقد التقى الرئيس التنفيذي لمصرف سوفتبنك ماسايوشي سون بالرئيس المنتخب ترامب في إحدى شركاته العملاقة في نيويورك في السادس من ديسمبر/ كانون الأول، وقال للصحفيين بعد ذلك، إنه سوف يستثمر قرابة 50 مليار دولار، حيث قدم جزءًا من هذا المبلغ من الصندوق المدعوم من قبل السعودية في الولايات المتحدة، كما أنه من المرجح أن يخلق هذا المشروع 50 ألف فرصة عمل جديدة.
وكمستثمر لا يملك العديد من الصلاحيات في صندوق سوفتبنك، لن يكون صندوق الثروة السيادية السعودي قادرًا على إملاء التعليمات أو الاستفسار عن أموال سوفتبنك، حيث من الممكن أن توجه في نهاية المطاف كل أموال الصندوق السعودي إلى الشركات الأمريكية.