سمير الزبن
في كل صراع دموي تدفع الضحايا البريئة الثمن الأغلى للصراع. الفلسطينيون السوريون هم الضحايا الهامشيون النموذجيون للصراع السوري الدموي والمرير والوحشي والاقتلاعي.
قبل انطلاق الاحتجاجات السورية ضد النظام السوري منتصف آذار (مارس) 2011، كان الفلسطينيون في سورية محسودين من أشقائهم الفلسطينيين – اللبنانيين والفلسطينيين – العراقيين الذين تمت تصفية وجودهم في العراق بأيد طائفية قتلاً وتهجيراً. حتى تلك اللحظة كان فلسطينيو سورية وحدهم من نجا من مذابح متنقلة تعرض الفلسطينيون لها، بدأت بالمذبحة لاقتلاعهم من بلادهم، وإخفائها عن الخريطة السياسة، وإقامة إسرائيل على أنقاضها. وبعدها تدحرجت المذابح، بدءاً من الأردن في 1970، مروراً بالحرب الأهلية اللبنانية في 1975 – 1990، واحتلال العراق الكويت في 1990، والاحتلال الأميركي العراق في 2003، وختامها المذبحة الجارية في سورية. وإذا كان الفلسطينيون في حالتي الأردن ولبنان طرفاً رئيسياً في الصراع، فإنهم في الحالات الأخرى كانوا ضحايا هامشيين لصراع أكبر منهم بكثير، يطحنهم في طريقه. ولأن الانتقام يكون دائماً من الطرف الأضعف، فقد كان الفلسطينيون هدفاً لمن يريد الانتقام في البلاد العربية المحطمة. كان هذا موقع الفلسطينيين في مذبحة تل الزعتر وفي مذبحة صبرا وشاتيلا، وكانوا أكثر هامشية في الاحتلال العراقي الكويت والاحتلال الأميركي العراق، وهذه حالهم في سورية اليوم.
ظنَّ الفلسطينيون بغالبيتهم في سورية، أنهم يستطيعون البقاء على الحياد في بلد يشتعل، فشكلت المخيمات الفلسطينية بعد اندلاع الصدامات المسلحة في المناطق المحيطة، بخاصة مخيم اليرموك، مكاناً لإيواء النازحين، وقد قدموا كل ما يستطيعون من أجل إيواء من آواهم في لجوئهم الأول، ولم يسألوا أحداً عن انتمائه السياسي، وقد زاد وهمهم بالحـــياد اعتقادهم أن الأطراف المتصارعة لا مصلحة لها في استهداف الأماكن التي تؤوي أهاليهم. كانوا ينطلقون من الرغبات لا من الواقع. لقد نسوا لبعض الوقت أن المخيمات جزء من الجغرافيا الـــسورية، وأنها ليست بؤراً أمنية على طريقة بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان. لم يســمح النظام الســـوري بوجود فلســـطيني مســـتقل، كل شيء في المخـــيمات الفلســـطينية في ســـورية كان تحــت الضبط الأمني، مثل أي مكان آخر في سورية، حتى بضع البنادق التي كانت تحوزها الفصائل الفلســطينية، كانت أرقامها مسجلة لدى فرع «الضابطة الفدائية»، وكانت كل تحركاتهم تخضع للموافقات الأمنية. وجزء من هذه الفصائل كان أداة أمنية سورية مباشرة داخل الساحة الفلســـطينية، مثل الجبهة الشعبية – القيادة العامة وفتح – الانتفاضة والصاعقة وجبهة النضال… وقد تم استــخدامهم في الصراع الداخلي السوري مثل أي أداة أمنية سورية، بدءاً من تنظيم اقتحامات الجولان في 2011، وصولاً إلى الحصار الخانق لمخيم اليرموك على أيدي الفصائل ذاته، بمهمة قذرة، هي إذلال أبناء شعبهم وتجويعهم وقتلهم.
لقد دفع الفلسطينيون إلى اليوم ما يقرب من 3500 ضحية، وتشردت الغالبية الساحقة منهم، أكثر من 400 ألف مُهجر من أصل 550 ألف فلسطيني سوري، يضافون إلى 11 ملايين مُهجر سوري في الداخل والخارج. لم يميز النظام في قمعه بين سوري وفلسطيني، وكما ساوى النظام الفلسطيني بالسوري في الدولة الأمنية القمعية، حيث تعرض مثل السوري إلى كل أساليب التنكيل والابتزاز، ساوى كذلك بينهم في الذبح والقتل والاعتقال والتجويع، لأن أدوات القمع الوحشية لنظام أعمى، ليس لها مهمة سوى حماية السلطة بكل أدوات القتل الوحشي التي بنتها سلطة متوحشة على مدار عقود من حكم العائلة الأسدية.
يعلمنا التاريخ أن كل قتل حتى لو لشخص واحد، هو قتل مطلق، وما يحصل في سورية للسوريين والفلسطينيين قتل مطلق بامتياز، وهو وصمة عار في وجه البشرية التي تدعي أنها أقرت شرعة حقوق الإنسان منذ أكثر من سبعة عقود، والنظام ينتهك كل حرف فيها والعالم لا يريد أن يفعل شيئاً، وقد اختار العجز. يستطيع العالم فعل الكثير لوقف المذبحة، لكنه قرّر التفرج عليها، وليبقَى القاتل يغرز سكينه في عنق الضحية، فلا أحد معني بهذه الضحية، لذلك يبقى الفلسطينيون – السوريون والسوريون ضحايا نظام وحشي إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.