الاردن: هل تحل الأحزاب نفسها خدمة للشعب.. الم يكن يعلم منشئوها بأن طبيعة النهج السياسي القائم لا تتقبل التعددية والتشاركية والفكرة الحزبيه.. فلصالح من وجودها

1

 
فؤاد البطاينة
استطاع ملوك اوروبا التاريخيين في دكتاتوريتهم، أن يختصروا دولهم وشعوبها باشخاصهم، باستخدام الجيوش والشرطة والقمع، ولكنهم لم يستطيعوا على استدامة هذا الوضع بتلك الوسيلة لأنها شرط لازم وغير كاف لتخليد قبضتهم ونهجهم في تغييب ارادة الشعب، فسقط من لم يرعوي منهم. أما حكامنا فحافظون للدرس ويعلمون ايضا بأن اعتمادهم على قوى أجنبية لا يسعفهم في كسر القاعده. فما هي وسيلتهم التي غيرت المعادلة والقاعده ومكنتهم من استرجاع وادامة النهج الساقط والمقبور على دولنا وشعوبها، وكيف بنوا ثقتهم باستسلام الشعب وعدم قدرته على التأثير بهم او عليهم.
لقد انطلقوا من علمهم بأن المؤسسات العامة ورجالها في الدولة هي ملعبهم وملكيتهم، وأن المؤسسات الخاصة ورجالها هي ملعب الشعب، وما لم يحكموا سيطرتهم عليها أيضا فستبقى طليقة وتبقى سيطرتهم على الدولة والشعب منقوصة كما كان الحال مع الدكتاتوريات الاوروبية. وهذا يشكل خطرا على أنظمتهم ونهجها. فالشعب عندما تتفعل ارادته لا تفف أمامها اراده، وعندما يتحرك ضد حاكمه يفقد الحاكم اعوانه في الداخل ويفقد الدعم الخارجي . فالشعب هو مربط الفرس، وهو مسرح نخب المؤسسات الخاصة من احزاب وجمعيات ونقابات ومراكز اعلام وثقافة ونشاطات ومؤسسات خاصة مهما كان نوعها . إنها هي بيضة القبان للحاكم، وهي التي تُفعل له وتديم المقولة التاريخية ” انا الدولة والدولة انا ” أو تفشلها ..*
ومن هنا كان على حكامنا الذين يمتلكون مؤسسات الدولة العامة بوسائلهم ويفرضون عليها قادتها ومنهج العمل وقواعد السلوك، أن ينجحوا أيضا في تطبيق هذه السياسة وفرض سيطرتهم وقوانينهم ومنهجهم وسلطتهم على مؤسسات المجتمع المدني او مؤسسات الشعب المفترضه بشكل أو أخر، وذلك من خلال اخضاع او شراء أو تدجين اوحتى التدخل لتنصيب قادة ونخب مؤسسات المجتمع المدني . بل ومشاركة الشعب في انشاء بعض هذه المؤسسسات وتعيين قادة عليها، ولعل مراكز حقوق الانسان مثال على ذلك حيث ان الحكام العرب اتجهوا لتشكيلها وجعلها من الدوائر الحكومية رغم ان فكرتها هي رعاية وحماية الحقوق الانسانية للمواطن من ظلم وتعديات السلطة والمسئولين . *
وقد نجح حكام العرب في هذ السياسة التي مكنتهم من جعل القطاعات الخاصة جزءا من منظومة قواعد سلوك القطاع العام وقوانينه . وبالتالي إخضاع الدولة كلها وضبط حركة الشعب وتحجيم عدد وفاعلية وقدرة القادة الشعبيين الذين يستعصي تطويعهم . وبذلك يكون حكامنا قد حققوا اختراقا تاريخيا في تحقيق ما فشل به عتاة ملوك اوروبا التاريخيين في الدكتاتورية، من خلال ادخال جين سياسي معدل وناجح لمقولة “انا الدولة والدولة أنا “، وإخراجها من قبرها على ظهور نخبنا الوصولية او الاستسلامية او العابثه، وجعلها مقولة صالحة للبقاء والاستدامة والتنميه، وعلامة سياسية للدول العربية
وأتناول من هذه المؤسسات، الأحزاب ومنشئوها .لأنها من المفترض أن تكون المؤسسات الأقرب الى الشعب وطموحاته ومصالحه والأكثر تأثيرا على نهج وسلوك الحكام، كونها تقوم على تعبئة الشعب سياسيا، وتوعيته وتوجيهه وقيادته، ولأنها أيضا فشلت في بلادنا وما كان لها الا أن تفشل وتتحول الى عبء على الشعب، والى لعبة خطيرة لمنشئيها . انها نتيجة الى مقدمة فاسدة، ولكل منهم أسبابه وتبريراته وحججه يسوقونها على نسق فكرة تبريرات مفتوا السلاطين من مشايخ الدين .
لقد كانت وما زالت هذه النخب تعلم أن فكرة الأحزاب فكره مرتبطه بالنهج الديمقراطي وبالانظمة الديمقراطية، وأهدافها لا تتحقق إلا في هذا السياق، وأن فكرة الحزب الواحد مرتبطة بالأنظمة الدكتاتورية التي لا تحتمل التشاركية والتعددية ولا تقبلها الا في سياق إخضاعها لملعوب يكريس النهج الشمولي وارتباطاته . فوجود وعمل هذه الأحزاب في بلادنا ومنها بلدي الاردن المتخم بالأحزاب، ويشهد بنفس الوقت سباقا بتشكيلها، لن يقتصر ضرره على توفير ديكورية للديمقراطية المزيفة، أو على اعطاء شرعية داخلية وتغطية دولية لها، بل إن وجود هذه الأحزاب أسهم في إلغاء الشعب من حسابات الأنظمة وفي الحط من تفعيل ارادته وهدفه في التغيير والانتقال للمرحلة الديمقراطية، ولا يعود هناك حينها معنى لأمل.
فالبيئة السياسية اللازمه والمطلوبة للاحزاب والفكرة الحزبيه وهدفها غير موجوده باصرار في بلدنا، بل الموجود بيئة تفريخ لها وتهميش وحرب على فكرتها واسقاطها كفكره امام الشعب والعالم . فالمشكلة ليست كما تسوقها النخب، ولا مسألة تسطير مبادئ وأهداف وحشد شخصيات، (صادقة كانت او وصولية ) وكُبر في الكلام وتسابق على تطريز الأحلام وصورة الدولة المثلى، بل إن المشكلة في جدوى الدور الذي يقوم به منشؤا هذه الاحزاب ومصبه، وفي اهدافهم الحقيقية عندما يكونوا عارفين بأنه من غير الممكن فنيا وعلميا ومنطقيا وبالتالي سياسا أن يفعلوا او يحققوا شيئا مما يخطونه ويحاضرون به في ظل النهج القائم.
فمهما كان تصنيف هذه النخب، فإن الامر يتجاوز تسابقها على جعل العمل السياسي لعبة غبية وخطيرة ومردودها سلبي على مذبح المصالح والطموحات الخاصه غير المشروعه، أقول يتجاوزه الى شراكة هذه النخب للحكام في ترسيخ نهجهم وذبح الوطن والشعب وقضاياه، وهذا تواطؤ. والمتواطئون لهم تصنيف.. واليوم يجتمع منشئوا الأحزاب بعد ثلاثين عاما، فهل ليناقشوا وضعهم مع الدولة على اهمالها لهم وتقصيرها في مكافأتهم، أم لمناقشة اعتذارهم للشعب.
أخطأ البعض عندما فسر سماح الدولة للأحزاب على أنه نقلة نحو الديمقراطية تبرع بها النظام، بينما الواقع أن الاحزاب كانت ممنوعة في الأردن لأنها كانت تشكل نقيضا لوجود النظام وليس لنهجه السياسي، فجميعها كانت أيدولوجية لا تؤمن بالتعددية والتشاركية، ولا تقبل بالرأي الاخر ونهج الأخر . . وبعد أن سقطت الايدولوجيات في عواصمها وخبت جذوة امتداداتها وتأثيرها وشاع خطاب الحريات وحقوق الانسان غيرت الدولة خطابها بما لا يتجاوز شفتها وسمحت بتشكيل الأحزاب ضمن استراتيجة على قياس نهجها وقانونها وقيودها ومحاذيرها واهدافها وليس على أساس الفكرة الحزبية واهدافها ومتطلبات تفعيلها.
لا الأسماك ولا الحيتان تعيش على اليابسه بل تصبح طعاما للصيادين دون عناء . وعلى الاحزاب القائمه ان تحترم نفسها ومصالح الشعب وتترك لعبتها الخطيرة مع الدوله وتحل نفسها، فهذا هو الشيء الوحيد الإيجابي الذي يمكن لها فعله خدمة للوطن والشعب وقضاياه . وعلى الذين يبحثون عن تشكيل احزاب جديدة أن يعلموا بأنهم ليسو اكثر ذكاء ممن سبقهم، ولا أكثر وصولية أو شرافه منهم، ولا أكثر قربا من النظام ولا أكثر عداء له. وكلهم فشلوا في تحقيق أهدافهم، الوطنية منها والوصوليه.
إن لدولنا وانظمتها حزب واحد هو حزب الجيش، ومُنظر واحد هو الحاكم . وحظا اوفر لكل من شكل حزبا معتقدا انه سيكون حزب الدوله . فاليوم اتخمت الساحة الاردنية بالأحزاب وتناقصت منفعتها الحدية للدولة وزادت كلفها وبات توجه الدولة هو حلها وصنع أحزاب من كتل برلمانية مقاسها حكومي ومنفعتها الحدية أكبر للدولة وكلفها أقل . فهل نخجل على أنفسنا وكراماتنا. وهل تخجل الدولة حين تصر على وجود وزارة تنمية سياسية وهل يتقدم أصحاب الأيادي النظيفة بعمل شعبي سياسي حر في مواجهة الواقع والمرحله، بهدف صنع ارادة سياسية لدى صاحب القرار بتغيير النهج والتخلي عن حجة عمرها عقود بأن الشعب ليس مؤهلا . بينما المسئولون عليه لا يُختارون الا من كاتلوج الجهل والسذاجة أو من قائمة التواطؤ وحيتان الفساد وكلهم انسلخوا عن الشعب.

التعليقات معطلة.