انعكاس التغييرات الجديدة في الإدارة الأمريكية على الشرق الأوسط

1

 
عمر الردّاد
مؤكد ان قرار الرئيس الأمريكي بإقالة وزير خارجيته تيرلسون وتعيين بومبيو مدير المخابرات الأمريكية بديلا له ،لم يشكل مفاجأة للمتابعين، ارتباطا بعاملين وهما الأول: ان التغيير في المراكز القيادية في البيت الأبيض والوزارات والمؤسسات الأمنية،شكلت إحدى ابرز العناوين لإدارة الرئيس ترامب ،خلال ما يزيد على سنة من توليه قيادة الولايات المتحدة، والثاني:أن خلافاته مع تيرلسون لم تكن سرية ، سواءا تجاه إعادة بناء وزارة الخارجية او تجاه ملفات الشرق الأوسط “الساخنة”وتحديدا التعامل مع الصفقة النووية التي أنجزها الرئيس الأمريكي السابق”اوباما”مع إيران، وإصرار الرئيس ترامب على تعديلها او إلغائها ،واتخاذه موقفا مترددا تجاه أزمة قطر مع جيرانها،حيث أرسلت مواقفه رسائل خاطئة لا تنسجم مع مواقف الرئيس ترامب ، الأكثر ميلا لتبني رؤى ومقاربات المملكة السعودية وحلفائها، وربما كان في إبعاد الخارجية عن اعقد ملفات الشرق الأوسط ” القضية الفلسطينية” وإدارة هذا الملف من قبل البيت الأبيض “كوشنير” ما يؤكد حجم الفجوة بين الرئيس ترامب وتيرلسون.
الأهم من تلك الخلفية ، إن على العالم اليوم الاستعداد للتعاطي مع إدارة أمريكية أكثر انسجاما ، خاصة بعد تعيين “جينا هاسبيل” مديرة للمخابرات الأمريكية ، اذ بهذا التغيير تكتمل مفاصل حلقات القرار المحيطة بالرئيس، في البيت الأبيض والخارجية والمخابرات والدفاع ،إضافة لأغلبية جمهورية في الكونغرس الأمريكي عنوانها أكثر انسجاما واقل خلافات ،وهو ما يعني اتخاذ قرارات “حاسمة”تجاه مختلف القضايا العالمية، سواءا فيما يتعلق بالمفاوضات القادمة مع كوريا الشمالية، التي أبدت استعدادا صريحا لوقف برامجها النووية والصاروخية ،مقابل ضمان بقاء النظام ورفع العقوبات، او الصراع مع روسيا، بما في ذلك صراعات الوكلاء في الشرق الأوسط واسيا ،وزيادة جرعات الضغط على إيران واذرعها، اذ يتوقع استراتيجيات أمريكية جديدة “أكثر حزما” تجاه القضية السورية بالإصرار على دعم الأكراد في الشمال ،خلافا لرغبات تركيا ،وإنهاء الوجود الإيراني في سوريا، وخاصة في مناطق الجنوب، إضافة للتدخل الإيراني في العراق،بما في ذلك ضغوطات على القيادات العراقية باتجاه إنهاء حالة ازدواجية الولاء لإيران وأمريكا، القائمة منذ عام 2003 ، وإجراءات ضد الحوثيين في اليمن،وخاصة استخدام الصواريخ الإيرانية وإطلاقها على الأراضي السعودية، ورفع وتيرة الضغوط على حزب الله في لبنان، جرعات الضغوط تلك ستكون أكثر حدة،ارتباطا بضعف احتمالات إقدام القيادة الإيرانية على خطوة على غرار كوريا الشمالية ، لأسباب متعلقة بالقيادة الإيرانية نفسها ،اذ أن أية صفقة جديدة مع إدارة الرئيس ترامب ستعني نهاية النظام الإيراني ، الذي يغطي على الانتفاضة الداخلية ب”نجاحات” للحرس الثوري الإيراني في الخارج، وان كانت تلك “النجاحات” في النهاية مجرد أوراق تفاوض إيرانية لحماية النظام.
مؤكد أن مكافحة الإرهاب،ستكون العنوان الأبرز في انعكاسات التغيير على السياسات الأمريكية ،ارتباطا بالخبرات الواسعة لوزير الخارجية الجديد في الملف الإيراني ،وخبرات مديرة المخابرات الجديدة في مكافحة الإرهاب ،وسيكون من ابرز مظاهر مكافحة الإرهاب ، إضافة لمواصلة الحرب على داعش والقاعدة في سوريا والعراق واليمن وغرب وشرق إفريقيا، الضغط على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة (تركيا ،قطر وباكستان) لاتخاذ مواقف وإجراءات تجاه إيران ،والإجابة على تساؤلات حول شبهات بعلاقة هذه الدول مع الإرهاب، ومع الإسلام السياسي وجوهره جماعة الإخوان المسلمين، بما في ذلك إعادة طروحات أمريكية باعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، تنسجم مع قرارات تم اتخاذها في بعض الدول الأوروبية “بريطانيا” ضد الإخوان المسلمين.
وعلى صعيد”صفقة القرن” فان التغييرات في الإدارة الأمريكية ستعطيها دفعة جديدة ، بانضمام الخارجية الأمريكية (بعد ان كانت معزولة عن هذا الملف) وباتجاهات تصب في مصلحة إسرائيل ، وربما سيبدو الرئيس ترامب بطروحاته ومقارباته المتشددة ،الأقل تشددا في فريق الإدارة الأمريكية الجديد،الذي يؤمن باستثمار القوة لتحقيق المصالح الأمريكية العليا، يؤيد ذلك ردود الفعل العربية والإسلامية “المحدودة” على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وربما افتتاحها في 15 ايار القادم ،بحضور امريكي عالي المستوى.
هذا التغيير لن يغير كثيرا من الإستراتيجية الأمريكية في تعاملها مع الأزمة الخليجية،باعتبار أن الرؤية الأمريكية تقوم على أن الخصومة بين حلفاء استراتيجيين لأمريكا، لكنها ستعمل على تقوية مواقف السعودية وحلفائها(مصر والإمارات والبحرين) وستنعكس ضعفا على الموقف القطري الذي بنى مقارباته على أساس المراهنة على التناقض بين أوساط مراكز صناعة القرار في الإدارة الأمريكية ،ومؤكد إن اللقاءات التي سيعقدها الرئيس الأمريكي في كامب ديفد مع قادة دول الخليج خلال الأيام القادمة ،ستشهد ضغوطا على قطر، ومصارحات أمريكية ذات طابع امني ،ربما تصل إلى درجة نقل القواعد العسكرية الأمريكية من قطر إلى الإمارات العربية والسعودية، خاصة وان المواقف الأمريكية ،بما فيها مواقف تيرلسون،” الذي عقد اتفاقية جديدة مع قطر لمكافحة الإرهاب” لم تبريء أوساطا قطرية تماما من تهمة دعم الإرهاب، والتعاون المعلن مع إيران،بما في ذلك الزيارة الحالية لوفد من بحرية الحرس الثوري الإيراني إلى قطر، ورعاية ودعم جماعة الإخوان المسلمين.

التعليقات معطلة.