الادارة الاميركية خسرت الرهان وليس امامها سوى تأجيل الاذعان بالهزيمة

1

 
بقلم : محمد صادق الحسيني
 
ما تقوم به واشنطن من تحرّكات وتتخذه من سياسات وتمارسه من أفعال وردود أفعال على الساحتين العراقية والسورية، ميدانياً وسياسياً وأمنياً، بعد النصر الاستراتيجي الكبير المتمثّل بتطهير بلاد الشام والرافدين من داعش، يضعه المتابعون في خانة المساعي الحثيثة التي تبذلها الإدارة الأميركية الجديدة لتأخير تحقّق الكارثة الحتمية لبعض الوقت، والتي تقضي بضرورة الإذعان قريباً بهزيمتها الاستراتيجية أمام حلف المقاومة وصديقها الروسي الذي بات قوة دولية عظمى ولاعباً أساسياً في موازين القوى العالمية الجديدة والذي لا يمكن إنكار دوره بتاتاً…!
 
وذلك تماماً، كما حصل لدول المحور في نهاية الحرب العالمية الثانية والتي ظلت تتردّد في التسليم بخسارتها للحرب الى أن اضطرت ألمانيا النازية ولو بعد هجومات مضادة عديدة في قلب جبهة الاتحاد السوفياتي آنذاك بالقبول أخيراً بالاذعان لهزيمتها في العام 1945!
 
وفي هذا السياق تقوم الولايات المتحدة الأميركية بسلسلة من المحاولات الفاشلة لوقف تداعيات الهزيمة الاستراتيجية لمشروعها، الذي هو بالأساس مشروع الاستعمار الغربي الذي يسمّى بـ «الشرق الأوسط الإسرائيلي» بشكل عام، والذي كانت أدوات تنفيذه الرئيسية، بعد خروج الدول الاستعمارية التقليدية، فرنسا وبريطانيا، مهشمة بعد الحرب العالمية الثانية. وقد كانت أدوات تنفيذ هذا المشروع كما هو معلوم تتمثل في:
 
1 ـ خلق الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة او بالأحرى تسليم فلسطين، من قبل قوات الاحتلال البريطاني هناك، الى العصابات الصهيونية المختلفة من الهاغاناه وشتيرن الى منظمة ايتسل وليحي وغيرها… وهي الكناية عن داعش والقاعدة وأخواتهما في عصرنا الحاضر والتي تقوم بالدور نفسه تماماً.
 
2 ـ تثبيت الكيانات الوظيفية في الدول العربية المحيطة باللقيط الجديد، المسمّى «إسرائيل»، وذلك خدمة للمشروع الاستعماري الهادف الى استمرار السيطرة على العالم العربي والهيمنة عليه ونهب ثرواته ومقدراته، أيّ بهدف ضمان عدم ظهور أيّ حركات ثورية لمقاومة احتلال فلسطين وتحريرها من ذلك الاحتلال.
 
ولكن ظهور الثورة الفلسطينية في أواسط ستينيات القرن الماضي واشتداد عودها، بعد هزيمة الدول العربية في حرب عام 1967، قد أفشل جهود إسدال الستار على احتلال فلسطين وتكريس «إسرائيل» كأداة غربية مهيمنة على المنطقة العربية.
 
كذلك جاء انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وتحالفها مع محيطها العربي الناهض وبشكل أخصّ الثورة الفلسطينية والدولة السورية المعادية للمخططات الاستعمارية في المنطقة، بمثابة ضربة جديدة لمشاريع الهيمنة الاستعمارية على المنطقة. بينما جاء ظهور حزب الله في بداية ثمانينيات القرن الماضي بمثابة تعزيز وتكريس لخطّ مقاومة مشروع الاستعمار الغربي في المنطقة العربية والذي تُعتبر «إسرائيل» رأس حربته منذ إيجادها.
 
وقد شكّل انتصار حزب الله، على الجيش الإسرائيلي وإجباره على الانسحاب من جنوب لبنان مهزوماً في شهر أيار 2000، ومن ثم الانتصار المدوّي على الجيش الإسرائيلي سنة 2006، نقول إنّ هذه الانتصارات قد شكلت بداية الهزيمة الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، خاصة بعد أن كانت كونداليزا رايس، ومعها بعض الأعراب، قد أعلنت بأنّ القضاء على حزب الله سوف يمهّد الطريق لإقامة ما أطلقت عليه الشرق الأوسط الجديد، أيّ تكريس وجود الكيان الصهيوني وتكريس الهيمنة الأميركية المطلقة على المنطقة، خاصة في ظلّ الاحتلال الأميركي للعراق، والاختلال الكبير الذي كان يعتري موازين القوى في المنطقة العربية.
 
وبالإضافة الى الهزيمة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي في لبنان وتصاعد وتيرة المقاومة العراقية، المدعومة إيرانياً وعلى نطاق واسع، ضدّ قوات الاحتلال الأميركي، وصولاً الى إرغامها على الانسحاب من العراق دون تحقيق أهدافها في تفتيت العراق وتحويله قاعدة لدعم القوى الإيرانية العميلة والهادفة لضرب الثورة الإيرانية، وذلك بهدف ضرب المشروع المقاوم للوجود الإسرائيلي والذي تعتبر إيران سنده الحقيقي.
 
وانطلاقاً من وعي الولايات المتحدة لحجم الهزيمة التي مُنيت بها في حرب تموز 2006 واضطرارها للانسحاب من العراق تحت وطأة ضربات المقاومة العراقية الباسلة فقد انتقلت الإدارة الأميركية إلى البدء بتطبيق خطة بديلة، في محاولة لاستعادة زمام المبادرة في الميدان، والتي تمثلت في إطلاق مشروع الفوضى الخلاقة في الدول العربية. وكانت سورية قد شكّلت الهدف الأساس أو المركزي في هذا المشروع، وذلك بسبب الدور الداعم للمقاومة الفلسطينية واللبنانية الذي كانت ولا زالت سورية تقوم به على أكمل وجه.
 
وهذا يعني العمل على ضرب العمق الاستراتيجي لكلّ قوى المقاومة سواء اللبنانية او الفلسطينية التي تواصل مقاومتها للاحتلال الصهيوني لفلسطين، أيّ انّ مشروع الولايات المتحدة كان يهدف، من خلال تدمير الدولة الوطنية السورية وتفتيت سورية ككيان وطني مقاوم، الى حرمان المقاومة في لبنان وفلسطين من الدعم الإيراني الواسع بعد ان يتمّ القضاء على حلقة الوصل الاستراتيجية بين إيران الثورة وحركات المقاومة.
 
وقد أدّى فشل هذا المشروع، وعلى الرغم من قيام الولايات المتحدة ومعها أردوغان وآل سعود ومشيخة قطر بزجّ أكثر من نصف مليون مرتزق معلومات المخابرات الخارجيه الألمانية والتي نشرت رسمياً أحصت ما مجموعه ثلاثمئة وستين ألف مرتزق أجنبي دخلوا سورية وانضمّوا الى العصابات المسلحة هناك وتمويلهم وتسليحهم على نطاق واسع، وعلى مدار سبع سنوات كاملة. الآن وبعد الانتصارات الكبرى التي حققها الجيش العربي السوري وقوات حلف المقاومة، وخاصة بعد التدخل الروسي الفعّال والمباشر دعماً للدولة السورية، نقول بعد فشل مشروعهم هذا وبحجة محاربة داعش، الذي أوجدته القوى المشار اليها أعلاه، ومن ثم بحجة ضرورة الإبقاء على الانتشار العسكري الأميركي في كلّ من سورية والعراق، خوفاً مما يسمّونه عودة داعش الى الظهور ثانية وتهديد أمن المنطقة، فقد عمدت الولايات المتحدة إلى إقامة عشرات القواعد ونقاط الارتكاز العسكرية في البلدين والتي كانت آخرها القاعدة العسكرية التي تعمل الولايات المتحدة على أقامتها في منطقة معبر الوليد العراقي.
 
في حين أنّ نظرة عابرة على توزيع وأماكن وجود هذه القواعد ونقاط الارتكاز العسكرية الأميركية توضح، وبما لا يدع مجالاً للتأويل أنّ الهدف من ذلك هو:
 
أولاً: استكمال تطويق إيران بالقواعد العسكرية، بدءاً من حدودها الجنوبية الغربية، في مدخل الخليج الفارسي وعُمان عبر قطر فالإمارات فالبحرين والسعودية والكويت وصولاً الى محافظات العراق الشمالية، حيث أقامت الولايات المتحدة الأميركية قواعد لها في كلّ من المنصورية/ حلبجة/ التونكبري/ كركوك/ على حدود إيران الشمالية الغربية مع العراق.
 
ثانياً: إقامة ما يشبه خط دفاع كاملاً، من خلال سلسلة من القواعد من شمال العراق وحتى داخل الحدود الأردنية مع العراق، إذ أنشأت قواعد لها في كلّ من: سنجار/ البغدادي/ الرمادي/ عين الأسد/ الوليد/ ومن ثم قاعدة الرويشد الجوية وقاعدة الأزرق وقاعدة المفرق الجويتين وكلها داخل الحدود الأردنية، وذلك لهدفين:
 
ـ إقامة تواصل جوي بري بين شمال العراق وفلسطين المحتلة بما يشبه الجدار العازل بين إيران وعمقها العربي من أربيل إلى حيفا…
 
ـ إنشاء ما يشبه المنطقة العازلة بين العراق وسورية لمنع التواصل البري بين المقاومة اللبنانية وإيران عبر العراق وسورية.
 
وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة، وبعد تيقنها من الفشل الاستراتيجي الذي لحق بمشروعها في «الشرق الأوسط» تلجأ الآن إلى محاولة منع تعزيز انتصارات حلف المقاومة، عبر ما تسمّيه احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، وكذلك منع تكريس التحوّلات العميقة في الميزان الاستراتيجي الدولي والذي أدّى إلى إنهاء هيمنة القطب الواحد، الولايات المتحدة الأميركية على العالم، وما يعنيه ذلك من ولادة نظام عالمي جديد غير خاضع لإرادة واشنطن.
 
في حين أنّ كلّ هذه التكتيكات لا تؤكد إلا المؤكد، ألا وهو أنّ واشنطن تفتقد الى استراتيجية واقعية لإيجاد حلّ سياسي شامل لأزمات المنطقة بشكل خاص، والعالم بشكل عام، تكون قاعدته تفكيك دولة الاحتلال الصهيونية في فلسطين، وليس تفكيك سلاحها النووي فقط، وإعادة الحقوق الفلسطينية الى الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والبحر والجو في فلسطين، أيّ تحقيق الهدف الاستراتيجي الذي تسعى أطراف حلف المقاومة الى تحقيقه عبر مواصلة هجومها الاستراتيجي على الجبهات كافة. أما ما عدا ذلك فلن يؤدّي إلا إلى مزيد من الخسائر للولايات المتحدة الأميركية وعلى الصعد الاقتصادية والسياسية والعسكرية كافة، ولن تفيدها لا المناورات المشتركة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي ولا المناورات مع جيش مشيخة قطر «العظمى».
 
بعدنا طيبين، قولوا الله…

التعليقات معطلة.