نادية عصام حرحش
كنت في طريق العودة من أريحا، عندما كان جموع اليافعين يغلقون مدخل المدينة، ويعدون العدة لحرق الإطارات، ونال بعض السيارات المصرة على المرور التكسير وترهيب من فيها. مساء جمعة هاديء لمدينة القمر. ولكن المساء كان مختلفا بالنسبة للنشاط الوطني ، وكأن يوم الجمعة صار يوم المواجهات والتعبير عن الشعور الوطني في وجه الإحتلال. مع العلم أن نقاط التماس هذه لا تمس بالاحتلال من أي اتجاه ، ولكن لنقل أن هذه هي الإمكانيات . فلم تكن هذه أي جمعة، فهذه الجمعة صادفت اليوم المئة لإعلان ترامب عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والإعتراف بيهودية المدينة. ترامب كان قد أعلن كذلك أن نقل السفارة الجديد سيتم مع إعلان الإستقلال السبعين للدولة الصهيونية، أي النكبة الفلسطينية في أيار المقبل.
تذمر الشعب عند الإعلان عن نية ترامب نقل السفارة ، ولم تتوقف المواجهات لأيام، ولم يبق مسؤول ولا مندوب ولا سياسي ولا ناشط ولا دبلوماسي ولا أكاديمي إلا وشجب وعبر ونادى إلى الإحتجاجات.
وقف المواطن المقدسي أمام امتحان صعب، وهو نفس المواطن الذي تصدى للبوابات الإلكترونية عند مداخل المسجد الاقصى قبل شهور قليلة. سؤال سيبقى في فضاء محاولات الإجابة، هل استسلم المواطن الفلسطيني، أم مل ، أم قرر مصيره وقبل بالأمر الواقع؟
سؤال سنبقى نسأله ولن نتجرأ على مواجهته، فمعضلة الإحتلال هي الأقوى ، وهي الحقيقية الوحيدة الدائمة. فحتى لو رضينا بهذا الكيان فإنه كيان لا يريدنا إلا بقايا بشر يمكن استخدامها عند الضرورة فقط ومن ثم التخلي عنها .
ولكن لنرجع إلى المشهد السياسي الكبير ، إعلان القدس عاصمة الكيان الصهيوني ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس في تحدي لا يمكن الجدل فيه أمام المعايير والمواثيق الدولية. كان حسم الموقف لا يتعدى شجب حذر على كل الأصعدة السياسية الوطنية تحديدا، ومما لا شك فيه انعكس على التعبئة الشعبية. عزلة كاملة لكل منطقة ، فشأن القدس للقدس ، كما هو شأن رام الله لرام الله ، ومصيبة غزة لغزة فقط.
تحولنا بالمحصلة لجمهور ينتظر إصابة أو شهيد . انتقل المشهد لجنين وارتقاء احمد جرار … لم يحدث شيء… غزة تقصف من هنا وهناك ، اغلاق جديد للمعابر ،ولا تعليق ولا حتى تساؤل.
نكتفي بخطاب حامي الوطيد للرئيس بشجب أممي جديد . نوزع حقدنا ودعمنا لسورية على حسب أهوائنا القبلية ،لم يعد مهما ، إن كنا علمانيين أم متدينين، فموضوع سورية وحد الملحد والملتحي ضد نظام الأسد. نخمد أكمامنا أمام كل المآسي الحاصلة ، يتم تشغيل مشاعرنا على حسب أهواء محطات الإعلام المرتبطة بمصالح لا يعيها ولا يرقى لها أفقنا المغلق.
غزة تحتضر ، ولم يتبق من هذا الشعب إلا رمي نفسه بالبحر ، ولا تزال خصومة فتح مع حماس أو ضدها هي الأهم. مصالحة على كف عفريت. تخرج عن طوعها بأي لحظة.
كل الأطراف تنتظر حالة انفجار ما .لا يهم من . فكلنا تحولنا ضد بعضنا . المهم حالة الإختلاف المدججة بالإنفعالات الخانقة بأي اتجاه.
السلطة تحتضر بفكرة احتضار الرئيس ، لا نعرف. ولكن الجو مفعم بالترقب والتقرب من أولي العزم والطموح نحو المنصب بعد الرئيس الحالي. ومع خطر احتضاره زاد عدد المتأهلون لمرحلة الرئيس المنتظر.
المهم حاجتنا لرئيس وسلطة وحكومة ومناصب . لا يهم أنه لم يعد هناك حتى أرض نفاوض عليها ولا حقوق نحاول استردادها ، نستجدي قبولنا وإبقاء من بقي منا على هذه الارض بشروطهم.
نلتهي بانتخاباتهم وفساد رئيس وزرائهم ، ولا نعير الإقالات التعسفية في الوزارات حتى نظرا. نكتفي بالصمت والإطمئنان أن اسمنا لم يطله غضب أصحاب المعالي بعد.
ننتصر بالدعاء على عالم هز الفضاء بمعرفته، عند موته، ونشمت بالموت وكأن صكوك الغفران يتم رميها الينا من السماء من ربها. نكتفي بالفتاوي ، وكلنا نمشي نحو طريق السنة والجماعة إلى الوراء. إلى عالم غير مرئي ، تم انتهاؤه ودفنه منذ أزمنة . ونصر نحن على أن نحييه بالتخلف.
نريد أن نحيي تراثا داعشي الطابع ، متزمت ، منغلق ، رأينا نتائجه في البلدان حولنا . ونقف مواجهين بكل قوة الدبكة والفن وكل ما يمكن أن يكون به اختلاط.
بناتنا يقتلن على الحواجز ، ومعلماتنا يقلن من المدارس ، والشعب يحتضر من كل الإتجاهات ، ولا نزال نصرخ ملء الصوت من أجل دين لا نفهم منه إلا التزمت ، ولا نطبق فيه إلا ما بقي من مخلفات العالم الغائب. ونترك الفساد مستفحل ، ونغض الطرف عن الجرائم اليومية بين قتل أبرياء على خلفية نزاعات أو نساء تحت غطاء الشرف.
ونسأل إلى اين ؟
إلى أين مصير القدس؟
مصير القدس من مصير الوطن .
مصير يشبه إعلان مدفوع في أنحاء رام الله ” لأني رجل لا أضربها”