سعيد الحاج
قبل أيام، صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بأن عملية غصن الزيتون قد تنتهي في أيار/ مايو المقبل. كان ذلك استشرافا للمرحلة الثالثة من العملية، والتي تتضمن مواجهة عسكرية مع وحدات حماية الشعب في معقلها عفرين، ما يعني حرب شوارع في مناطق مأهولة بالسكان.
البارحة، وفي ذكرى معركة “جناق قلعة” التي يحييها الأتراك باسم “يوم الشهداء”، سيطرت القوات التركية ومجموعات الجيش السوري الحر على مركز مدينة عفرين، بعد أقل من 24 ساعة على حصارها بالكامل، ما يعني أن العملية مرشحة للانتهاء قبل ذلك الموعد بكثير. فما الذي حصل؟
من المهم التذكير بأن عملية غصن الزيتون بدأت بعد تفاهمات تركية – روسية وتحفظات أمريكية لم تتحول لواقع ملموس على الأرض؛ بسبب غيابها عسكريا عن المنطقة (عكس منبج ومناطق شرق الفرات)، بل وصدرت تصريحات أمريكية تفيد بأن عفرين ووحدات الحماية خارج نطاق الاستراتيجية الأمريكية والقوى المتعاونة معها في سوريا.
بهذا المعنى، خاضت الوحدات المعركة دون الإسناد الذي كانت تعول عليه، وبنت خطتها على استنزاف طويل الأمد لتركيا واستثمار أعداد القتلى المفترضة أو المتوقعة بين الجنود الأتراك والمدنيين في عفرين لتشديد الضغوط على أنقرة، لكن التطورات لم تسعفها كما أرادت فيما يبدو.
بعد إتمامها ما أسمته “الهلال” أو حصار عفرين من ثلاث جهات، سيطرت القوات التركية بسهولة وسرعة على بلدتي “راجو” و”جندريس” المهمتين دون مواجهة تذكر مع وحدات الحماية، وقد ذهبت الكثير من التحليلات وقتها إلى أن الوحدات تعمل على تركيز قوتها في عفرين لتنفيذ استراتيجية الاستنزاف والضغط.
بيد أن القوات التركية أحكمت الحصار على عفرين قبل أيام وتركت ممرا آمنا للمدنيين، خرج منه عشرات الآلاف وفق بعض المصادر (بعضها أوصلهم إلى 150 ألفا). وكان لافتا أن الوحدات غير راغبة أو قادرة على منع المدنيين من الخروج. بعد خروج هذا العدد الكبير من المدنيين، أحكمت تركيا الحصار في 17 من آذار/ مارس الحالي، وسيطرت عليها مع مجموعات السوري الحر في اليوم التالي، ما يعني أن معارك الكر والفر وحرب العصابات لم تحصل في عفرين. فما الذي حدث؟
واضح أن وحدات الحماية قد اتخذت قرارها بالانسحاب وعدم المواجهة حتى النهاية، في ظل اختلال الميزان العسكري وافتقاد الدعم الدولي، وفشل البروباغندا الضاغطة على تركيا من بوابة الخسائر المدنية، والتي دأبت الأخيرة على تفنيدها بالصور والفيديوهات. يبدو أن انسحاب قيادات وحدات الحماية ومسلحيها جاء مع المدنيين الخارجين مؤخرا (بعض القيادات غادرت سابقا)، ولكن ليس واضحا بعد ما إذا كان القرار أحادي الجانب وفق موازين القوى القائمة والنتيجة المحتمة، وهو المرجح، أم ساهمت فيه تفاهمات تشاووش أوغلو – تيلرسون قبل إقالة الأخير، أو أي تفاهمات تركية – روسية أخرى مفترضة.
في نهاية المطاف، سقطت عفرين وسقطت بعدها (كما كان متوقعا) عشرات القرى والنواحي بسرعة لافتة، لكن عملية عفرين لم تنته بعد، بل ما زال هناك ما ينبغي استكماله:
أولا، استكمال إخراج الوحدات من القرى والبلدات المتبقية تحت سيطرتها. ويبرز هنا مطار منغ وتل رفعت اللذان سيطرت عليهما الوحدات في أواخر عملية “درع الفرات” بغطاء جوي روسي، وسحبت روسيا شرطتها العسكرية من عفرين إليهما، وراجت أخبار مؤخرا عن انتشار قوات للنظام السوري فيهما. يعني ذلك أن رغبة تركيا بالسيطرة عليهما ينبغي أن تمر (مرة أخرى) بتفاهم ما مع موسكو.
ثانيا، فرض الأمن واستتباب الأوضاع في مجمل المنطقة، ثم البدء في مشاريع تطويرها، من حيث البنية التحتية والمؤسسات التعليمية والصحية وعودة النازحين منها، وفق ما تم في مناطق درع الفرات قبلا.
عمليا، يمكن القول إن عملية غصن الزيتون قد حققت أهدافها، وبالتالي يحضر سؤال الخطوة المقبلة، التي كان يفترض أن تكون منبج إثر التفاهمات المذكورة مع تيلرسون. أما وقد أقيل وعيّن مكانه مايك بومبيو، فثمة ظلال من الشك والغموض حولها، ما يعني تأجيلها بالحد الأدنى حاليا. فقد أعلن وزير الخارجية التركي عن إلغاء سفره إلى واشنطن، حيث كان يفترض أن يلتقي نظيره الأمريكي لوضع النقاط الأخيرة فوق حروف تلك التفاهمات المبدئية، لكن ذلك لا يعني أن واشنطن ستتخلى بالضرورة عنها وتذهب لحل مختلف في نهاية المطاف، وإنما قد تكتفي بالمماطلة و/أو المساومة على بعض التفاصيل المتعلقة بالبلدة بعد خروج/ إخراج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) منها.
فهل تصعّد تركيا الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لإخراج “قسد” من منبج، أم تذهب للخطوة التالية في العراق وتحديدا سنجار حيث يتمركز حزب العمال الكردستاني، وهي العملية التي قال رئيس الوزراء التركي إن بلاده ستنفذها بالتنسيق والتعاون مع بغداد، وثمة توقعات بأن تبدأ بعد الانتخابات العراقية في أيار/ مايو المقبل؟