جاسم الحلفي
عادت الحركة المطلبية بقوة عبر موجة جديدة من الاحتجاجات المناطقية ضد سياسات تهميش المناطق الأكثر فقرا في العاصمة بغداد، مثل الحسينية والنصر والمعامل وسبع البور وسبع قصور والراية والشيشان وحي الزهراء وحي الغرير وحي الحميدية وجسر ديالى والنهروان، والتي تعاني احياء أخرى الى جانبها من نقص حاد في الخدمات الأساسية، كأطراف حي الشعب وحي اور.
وما يميز موجة الاحتجاجات الأخيرة هذه انها تتخذ من الاعتصامات شكلا ملموسا لها، وانها تتركز في الاحياء الفقيرة التي يسكنها العاطلون عن العمل والفئات المحرومة والشرائح الأكثر فقرا، الى جانب ذوي الدخل المحدود. هذه الاحياء التي لا يمر بها المسؤولون الا ايام الانتخابات مستجدين أصوات أهاليها، وتاركين إياهم بعد يوم الاقتراع فريسة للعوز المعلوم والفاقة ونقص الخدمات. وهذا الواقع هو ما دعا منسقي التظاهرات الى عدم السماح للمسؤولين وأعضاء مجلس النواب والمرشحين وذوي الغايات الحزبية الضيقة بحضور فعاليات الاحتجاج ، لمنعهم من استثمارها لمصالح خاصة وللتنافس الحزبي والانتخابي.
لقد عكست هذه الاحتجاجات بشكل صادق معاناة أبناء المناطق، وهي تجعل من الخدمات فقط عنوانا لها، وترفع شعارات محددة تركز على ما تحتاجه المنطقة المعنية بشكل ملموس من خدمات وبنى تحتية: مستوصف او مدرسة او مجاري او تبليط شوارع، ما جعل تأييد أبناء المنطقة وتبنيهم لها واسعا.
ومعلوم ان السلطات لم تلتفت الى تصاعد الاحتقان الاجتماعي في هذه المناطق والاحياء الفقيرة، وذلك ما تسبب في تصاعد السخط وعدم الرضا والشعور بالخذلان. وازاء الإهمال المتعمد وفساد المسؤولين، الذين لم ينفذوا المشاريع الخدمية رغم وجود تخصيصات سبق ان رصدت لها ولكن ابتلعها الفساد. بادر مواطنو تلك المناطق الى تنظيم احتجاجات واعتصامات مناطقية، وتوفير مستلزمات الاعتصام من سرادقات وخيام، بحضور ملفت للشباب الذين يعانون البطالة والحرمان وفقدان الامل.
وانحصرت أغلبية المطالب الشعبية التي رفعها المحتجون في توفير الخدمات وتحسينها، وفي بناء مستوصفات ومراكز طبية ومؤسسات خدمية اخرى.
ويبدو الآن ان لا نهاية في الأفق للاحتجاجات. فما ان ينتهي احتجاج في منطقة، حتى تعلن منطقة أخرى مباشرة احتجاجها. ولئن وعدت الحكومة اهالي هذا الحي او ذاك بتلبية مطالبهم، فإنها اعجز من ان تنفذ كل المطالب المرفوعة.
وامام هذا العجز من جانب الحكومة والمسؤولين المحليين عن تنفيذ وعودهم، وتأمين حقوق المناطق في الخدمات، سيبقى فعل حركة الاحتجاج يتواصل ويتجلى في هذا الشكل او ذاك، ليس على نطاق العاصمة بغداد فقط، بل وفي المحافظات الاخرى مثل البصرة والناصرية وبابل والكوت.واذا نظرنا الى النشاط الاحتجاجي كفعل سياسي اجتماعي واعٍ، نرى انه لا يقتصر على مطلب محدد او منطقة معينة. وما امتداده الى محافظات كردستان جميعا الا دليل على بعده الوطني. ويأتي هذا ليبيّن امتداده الافقي، واعتماده الاسلوب السلمي حصرا، وتميّزه بطول النفس واستمرار الأنشطة.وان العدالة هي القيمة المفقودة التي تجمع كل هذه التحركات، بمختلف اشكالها وتنوع اساليبها وتعدد مطالبها.