السيد أمين شلبي

1

 
كيف يفكر جون بولتون؟
 
لم يكن اختيار ترامب لجون بولتون مستشاراً للأمن القومي مفاجئاً، فمع إقالة ريكس تيلرسون، كانت التوقعات تتجه إلى أن الدور جاء على هيربرت ماكماستر، وبرز اسم جون بولتون لكي يخلفه. وكما اختار جورج بوش الابن بولتون مندوباً دائماً في الأمم المتحدة، لتوافقه مع توجهاته نحو العمل المنفرد، وعدم اعتداده بالتحالفات والمنظمات الدولية والأمم المتحدة، كذلك كان اختيار ترامب لجون بولتون بسبب توافقه مع آرائه حول السيادة والمصلحة الأميركية والقضايا الدولية التي تواجهه.
 
لقد جاء اختيار بولتون فيما دونالد ترامب مقبل على أهم قضيتين يواجههما: القمة المقبلة مع رئيس كوريا الشمالية وقراره المنتظر في أيار (مايو) المقبل حول الاتفاق مع إيران على برنامجها النووي. والواقع أن تاريخ بولتون يقدم لنا مفاتيح حول انتماءاته الفكرية وآرائه حول قضايا السياسة الخارجية. فعند تعيينه سفيراً في الأمم المتحدة قال المحللون إن إدارة بوش الابن اختارت شخصية عرفت بنقدها الحاد للأمم المتحدة، وهو شخصية محسوبة على تيار المحافظين الجدد وشارك منذ التسعينات، ووقع على مشاريعهم ووثائقهم التي تحمل رؤاهم ومفاهيمهم، وأنه لا يبدي حماسة للعمل المتعدد. وعند تعيينه وصفته كوندوليزا رايس بأنه ذو عقل صلب المزاج والتفكير، وأنه بهذه العقلية ساعد على نجاح المفاوضات التي أدت إلى تخلي ليبيا عن برامجها النووية، وتوقيع معاهدة خفض الأسلحة النووية مع موسكو. واستعاد المراقبون دوره في مفاوضات السداسية مع كوريا الشمالية ووصفه نظامها بأنه «كابوس شيطاني» Hellish nightmare وأن زعيمه «ديكتاتور مستبد». وردت عليه كوريا الشمالية ووصفته بأنه «نفاية بشرية ومحب للدماء»، ما أدى لاستبعاده عن المفاوضات. 
 
كذلك استعاد المراقبون تصريحاته عام 2002 بأن هدف الولايات المتحدة هو «تدمير كوريا الشمالية»، وتصريحاته عام 2003 لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية بأنه بعد هزيمة العراق، فإن الولايات المتحدة يجب أن تتعامل بنفس الطريقة مع سورية وإيران وكوريا الشمالية، كما لعب دوراً بارزاً في إلغاء قرار الأمم المتحدة مساواة الصهيونية بالعنصرية، وقال إنه يعتبر القرار أكبر وصمة عار على سمعة الأمم المتحدة، فيما استعاد المراقبون قوله «إنه ليس هناك شيء اسمه الأمم المتحدة»، وقوله «إذا دمرت عشر طوابق من الأمم المتحدة فلن يكون هناك فرق»، وقوله «إذا أعدت تشكيل مجلس الأمن فسوف أجعله من عضو دائم واحد فقط لأنه يعكس توزيع القوة اليوم في العالم، وهذا العضو هو الولايات المتحدة».
 
وانقسمت ردود الفعل في الولايات المتحدة عندئذ تجاه تعيين بولتون بين من اعتبروا أنه يثير الشكوك حول توجه الإدارة الأميركية الحقيقي تجاه العمل الدولي والعمل في نطاق المنظمة الدولية، فضلاً عن أن مجموعة المحافظين الجدد ما زال لها نفوذها وأقدامها الثابتة في الإدارة، وبين تأييد اليمين الأميركي لهذا التعيين الذي عبّرت عنه صحيفة «وول ستريت جورنال» في 9 آذار (مارس) 2005، حيث هاجمت المنظمة وعدم كفاءتها ورصيدها السيئ في الصومال ورواندا، وقضية البترول مقابل الغذاء في العراق، واعتبرت أن تعيينه يحيي تقاليد شخصيات مثل جين كيركباتريك ودانيال موينهان، وكانا من الشخصيات التي عكست مواقف إدارة ريغان المتشددة في الأمم المتحدة. وهي المواقف التي دفعت واشنطن إلى الانسحاب من منظمة اليونيسكو والامتناع عن دفع ديونها للمنظمة الدولية.
 
والآن مع عودة بولتون، ما هي السيناريوات المحتملة والأولويات؟ في تقدير المحللين أن في المحادثات المقبلة مع كوريا الشمالية سيقدم الجانب الأميركي مطلبين لن يقبلهما كيم جونغ أون: التخلي عن برنامج الأسلحة النووية، ونزع السلاح المنفرد، وهو ما سيؤدي إلى فشل القمة، وعندئذ سيقول بولتون: كما رأيتم، لقد حاولنا، والآن ليس هناك بديل إلا القصف. ومع هذا، ففي تقدير «واشنطن بوست» أن هدف بولتون الأول هو إيران وليس كوريا الشمالية، وفي هذا سيلقى ترامب تأييد بولتون، عندما سيعلن في أيار المقبل انسحابه من الاتفاق النووي مع إيران وتثبيت، وربما زيادة، العقوبات الاقتصادية، الأمر الذي سيطلق سلسلة من ردود الفعل الخطيرة في الشرق الأوسط ويوسع الأزمة السورية إلى حرب إقليمية لا يمكن احتواؤها.

التعليقات معطلة.