السياسة فن وحكمة وتدبير، والسياسي الناجح هو الذي يتقن فن التعامل مع الاضداد ليخرج منها ما ينفع بلده وشعبه. ليس في السياسة عداوات دائمة، فأسباب العداوة تتغير وقد تتحول الى أسباب صلح ووئام. المهم أن يركن الاضداد الى “لا جدوى” العداء، ويذعن الباكي على الماضي أن لا عودة اليه، وإن عاد فسينتج واقعاً كالحاضر ولو طال الزمن، فالركون للحاضر وتحسين ظروفه وشروطه أكثر نفعاً للبلاد والعباد. وأن يطمئن مظلوم الامس الى ان الماضي لن يعود وإن الشريك شريك وليس متوغلاً ليعرقل أو يهدم. أقول هذا وسط مؤشرات واضحة بان كثيراً من أهل الماضي، أو أبنائهم، مندفعون في السباق نحو البرلمان وربما الى مواقع وزارية أو أقل قليلاً. تخلّى هؤلاء عن خطاب طائفي يستبطن دوافع سياسية، اعتادوا استخدامه خلال السنوات الماضية، استبدلوه بخطاب “وطني” يحتاج الى تطمينات عملية بانه ليس “حصان طروادة” للانقضاض والتفرد تدريجياً، فقد ولّى ذلك العهد وتغيرت الظروف على الأرض ولا مجال للعودة الى الماضي. في المقابل على مهمّشي الامس ألا يلبسوا ثوب إقصائيي الأمس حيال من يحسن النية والعمل. والمعيار في التعامل هو خطوط الوطن الحمراء وهي: أمن الناس ومعيشتهم وكراماتهم وحقوقهم، ومن ينتهكها يستحق ما يقرره القانون مهما كانت هويته السياسية أو القومية أو الطائفية. جميعنا نحتاج الى الركون الى الوطن والتفاهم بين أبنائه فقط.
ولان الداخل غير بعيد عن تأثير الخارج عليه، ولان العراق يعيش وسط منطقة ملتهبة، فان التعاطي الذكي والبراغماتي في علاقاتنا الخارجية مطلوب بشدة. عقودنا الماضية من العلاقات مع الجيران ومن هم أبعد مثقلة بالكراهية والعداء. في السياسة لا عداء ثابتاً ولا صداقة ثابتة. المصالح هي الثابتة، وبقدر ما تجعل للآخرين مصالح لديك، ستضمن صداقتهم، أو على الأقل، عدم عداوتهم لك. نظام صدام حسين قاتل إيران ثماني سنوات، لكنه بادر الى التنازل والعودة الى علاقات ودية والاعتراف باتفاقية الجزائر التي شن حربه المجنونة إثر تمزيقه لها. الحكومة السورية كانت هدفاً لمحاولات حكومة أردوغان للإطاحة بها، لكنها تسكت عن تقدم القوات التركية ودخولها مدينة عفرين، لأن ذلك يحقق مصلحة مشتركة وهي كبح محاولات كردية ترى دمشق انها ضمن خطة أميركية لإقامة كيان كردي داخل سوريا.
نحتاج الى موضوعية وواقعية في التفكير والتعامل. الذي كان يكفّرنا ويدعم قتلنا ضمن معادلة سياسية كانت قائمة عنده، لا يمكن رفض اقباله علينا وتأكيده بان المعادلة تغيرت وان ما حدث في الماضي كان “طعماً بلعناه”. رفضنا له كأننا نقول له: عُدْ الى قتلنا وتكفيرنا وتفجيرنا.