” النتائج أفصحت عن نسبة مشاركة قريبة من الانتخابات السابقة, ربما قلت أو زادت بنسبة طفيفة, حيث شارك في الانتخابات قرابة 25 مليونا من بين 59 مليونا لهم حق الانتخاب بنسبة تزيد عن الـ 40% ’ وحصل السيسي على أكثر من 90% من أصوات المشاركين بينما حصل منافسه موسى مصطفى على 750ألف صوت بنسبة 3% وكانت المفاجأة وصول الأصوات الباطلة لأكثر من مليون ونصف المليون صوت بنسبة 7% من عدد المشاركين.”
نجاح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية التي شهدتها مصر مؤخرا كان أمرا متوقعا ومسلما به من قبل الموالين والمعارضين على السواء , ولكن احتدم الصراع هذه المرة بين المعسكرين على نسب المشاركة وحجم المقاطعة, غير أن الشيء الذي لم يختلف عليه الجميع هو مرور الأيام الثلاثة للانتخابات بسلام دون تسجيل حوادث تعكر صفو العملية الانتخابية, ونجاح قوات الجيش والشرطة في تأمين قرابة 14ألف لجنة فرعية غطت جميع أنحاء مصر بما فيها محافظة شمال سيناء التي حرص أبناؤها على المشاركة رغم استمرار العمليات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية وحالة عدم الاستقرار المستمرة هناك منذ خمس سنوات, ورغم حادث التفجير الذي استهدف مدير أمن الإسكندرية وراح ضحيته 3 من حراسه قبل انطلاق العملية الانتخابية بأيام قليلة وهو الأمر الذي أكد قدرة الدولة المصرية على تأمين العملية الانتخابية.
الشيء اللافت كان مشاركة النساء بنسب فاقت الرجال بمراحل ـ واضح أن الخطاب العاطفي الذي استخدمه السيسي في مخاطبة المرأة المصرية وتأكيده على تقديرها واحترامها والاعتراف بفضلها ودورها في ثورتي 25 يناير و30 يونيو , وحرصه على تكريم أمهات الشهداء والأمهات المثاليات ووقوفه لساعات طويلة يستمع لهن بإنصات واهتمام شديد دون تململ أو “زهق” ضاربا بتوسلات الحرس ومسؤولي (التنظيم والبروتوكول) عرض الحائط .
هذا الأسلوب لاقى قبولا لدى المرأة المصرية رغم معاناتها من غلاء الأسعار وقلة الدخل وتحمل كثيرات منهن مسؤولية إعالة الأسرة وأعباء تربية الأبناء لسفر الزوج أو هجره أو عجزه عن العمل.
فاصطفت النساء في طوابير طويلة أمام اللجان غير عابئات بحرارة الطقس والعواصف الترابية التي ضربت مصر خلال أيام الانتخابات استجابة لدعوة السيسي, وكان الإقبال النسائي منذ اللحظة الأولى لفتح باب التصويت, ليدحض ادعاءات المعارضين بتفسير المشاركة النسائية بالخشية من الغرامة أو وجود تهديدات أو رشاوى انتخابية, وعندما فشلوا في تسويق مبرراتهم راحوا يعيبون على المشاركات ممارسة الرقص والغناء أمام اللجان.
كما كان هناك إقبال لافت من كبار السن الذين أعلنوا أن هدفهم الحفاظ على الدولة المصرية واعتقادهم أن الجيش هو الضمانة للأمن والاستقرار والوحدة الوطنية, وهو نفس الأمر الذي دفع”الأقباط” للمشاركة بكثافة, لأنهم وجدوا عند السيسي والجيش الحماية والأمن والإحساس بالمواطنة والحفاظ على ممتلكاتهم وكنائسهم و ممارسة شعائرهم, بعدما تعرضوا له على أيدي جماعة الإخوان والتنظيمات المتطرفة عقب فض “اعتصام رابعة” من عمليات خطف وتهجير ونهب ممتلكاتهم وحرق وتفجير دور عبادتهم, والتي قام الجيش بأوامر من السيسي بإعادة بنائها وإعادتها لما كانت عليه خلال السنوات الماضية .
وبينما رأى الموالون للسيسي نسبة المشاركة قياسية مقارنة بالانتخابات الماضية, وصفها معارضوه بالهزيلة, وبقراءة أرقام الانتخابات الثلاث الماضية نجد أن من لهم حق الانتخاب في عام 2012م كان حوالي 50 مليونا شارك منهم 23 مليونا في الجولة الأولى التي شارك فيها 13 مرشحا, بينما شارك في الجولة الثانية من الانتخابات قرابة 25 مليونا , وحصل الفائز بالرئاسة على 13 مليون صوت, وفي الانتخابات الماضية عام 2014م , بلغ عدد الناخبين 53 مليونا, شارك منهم 24 مليونا وحصل الرئيس السيسي على 23 مليون صوت بنسبة اقتربت من 96% .
نتائج الانتخابات الأخيرة كشفت عن نسبة مشاركة قريبة من الانتخابات السابقة, ربما تقل أو تزيد بنسبة طفيفة, حيث شارك فيها قرابة 25 مليونا من بين 59 مليونا لهم حق الانتخاب بنسبة تزيد عن الـ 40% ’ وحصل السيسي على أكثر من 90% من أصوات المشاركين بينما حصل منافسه موسى مصطفى على 750ألف صوت بنسبة 3% وكانت المفاجأة وصول الأصوات الباطلة لأكثر من مليون ونصف المليون صوت بنسبة 7% من عدد المشاركين.
إذا كانت هناك اتهامات للحكومة المصرية بالحشد أو التأثير على الناخبين, فالمعارضون أهالوا التراب على العملية الانتخابية برمتها وحملوا السيسي مسؤولية عزوف المرشحين الجادين عن الترشح أمامه بالتنكيل بهم واغتيالهم معنويا وملاحقتهم أمنيا, داعين المصريين لمقاطعتها ومتهمين الحكومة بالتزوير قبل أن تبدأ الانتخابات, رغم إجراء الانتخابات تحت الإشراف القضائي الكامل والمراقبة الدولية والتغطية الصحفية المحلية والعالمية والتي لم ترصد أي جهة منها وجود تزوير أو تجاوزات داخل اللجان وإن تحدث البعض عن تجاوزات خارج اللجان.
التغطية الصحفية الأجنبية للانتخابات المصرية لم تكن متوازنة وشهدت تحاملا كبيرا على النظام, فنشرت صحيفة التايمز البريطانية صورة لسيدة مصرية تشير بإصبعها الذي تلون بالحبر الفوسفوري وادعت أنها موظفة حكومية أجبرت على الإدلاء بصوتها في الانتخابات لصالح السيسي, لتخرج السيدة مساء على شاشة التلفاز لتؤكد أنها صاحبة الصورة المنشورة وأنها استجابت لطلب المصور الأجنبي بالتصوير عقب خروجها من اللجنة بعد الإدلاء بصوتها ونفت عملها بالحكومة أو القطاع العام وأنها تدير مطعما تملكه وشاركت في الانتخابات لثقتها في وطنية السيسي.
واضطرت وكالة رويتر العالمية للأنباء لسحب تقريرين سبق ونشرتهما في يومين متتاليين لتغطية الانتخابات زعمت فيهما أن هناك رشاوى للناخبين بسلع غذائية ومبالغ نقدية وتوصيل بالحافلات مستخدمة جملة ساخرة بأنها “الطريقة المصرية في الانتخابات” , وعندما اتصل رئيس هيئة الاستعلامات المصرية بمسؤولي الوكالة بالقاهرة وطالبهم بالدليل المادي الذي استندت إليه “رويتر” في ادعاءاتها.. تبين عدم وجوده, وتراجعت الوكالة وسحبت تقريريها المغلوطين , ناهيك عن التغطية المنحازة لكثير من القنوات المناوئة للنظام والتي حرضت المصريين على المقاطعة, وراحت تسب المشاركين وتنعتهم بأحط الأوصاف.
حسب الدستور ستنتهي الفترة الثانية للرئيس السيسي وسيكون هناك رئيس جديد لمصر في انتخابات 2022م , ويجب أن تستعد الأحزاب والقوى السياسية من الآن لخوض الانتخابات القادمة , ولابد من تحليل أسباب عزوف الشباب عن المشاركة ومحاولة جذبهم للعمل العام وتشجيعهم على الترشح في الانتخابات المحلية والبرلمانية القادمة , إذا كنا جادين في السير إلى المستقبل.