“واشنطن بوست”
لم أكن من مُحبي الصفقة النووية الإيرانية. ورغم أنها فرضت قيوداً على برنامج طهران النووي، إلّا أنّها شرّعت أيضاً بنية تحتية نووية إيرانية كبيرة من خلال عدم فرض قيود حقيقية على حجم البرنامج أو طابعه بعد عام 2030. وبدلاً من أن يُنهي الاتفاق سعي إيران إلى امتلاك أسلحة نووية، أرجأ متابعته. صحيح أن الإيرانيين التزموا بعدم امتلاك أسلحة نووية أو تطويرها، لكنهم ادّعوا أيضاً أنهم لم يحاولوا ذلك أبداً، على الرغم من الأدلة الواضحة عكس ذلك.
لذا، سيكون الخطر حقيقي في غضون 12 عاماً عندما تنتهي بعض أحكام الاتفاق. لكن ذلك لا يعني أن على الرئيس ترامب الانسحاب منه في أيار/مايو المقبل. فإذا انسحب، فسيكون لوحده في ذلك. ولن ينضم إليه الأوروبيون، وخاصة بعد استعدادهم للتفاوض مع الإدارة الأمريكية وقبول عدد من التنازلات، مثل فرض عقوبات على اختبار إيران للصواريخ الباليستية، [وإصدار] بيان مشترك حول الحد مما يمكن لإيران أن تفعله بعد عام 2030، والاستعداد لزيادة التكاليف التي سيتحملها الإيرانيون جراء أعمالهم المزعزعة للاستقرار في المنطقة. وحتى إذا لم يكن البريطانيون والفرنسيون والألمان على استعداد للذهاب إلى الحد الذي قد ترغب فيه الإدارة الأمريكية، فقد اعترفوا بمخاوف إدارة ترامب بشأن الاتفاق النووي وكانوا مستعدين للتعامل معها على الأقل جزئياً.
لكن الابتعاد عن الاتفاق سينهي ذلك. فسوف يؤدي إلى عزل الولايات المتحدة، وليس الإيرانيين. ولطالما كان الضغط على الإيرانيين أكثر فعالية عندما انضم آخرون إلى الولايات المتحدة. وفي الواقع، شعرت إيران بالضغط حقاً، فقط عندما قرر الاتحاد الأوروبي فرض مقاطعة على النفط الإيراني، وبدأت الجمهورية الإسلامية بالتفاوض بعد أن أعلنت أنها لن تفعل ذلك أبداً طالما كانت خاضعة للعقوبات.
وللأسف، لن يلتزم الأوروبيون بالاتفاق ببساطة؛ وسوف يبذلون قصارى جهدهم لإبقاء الإيرانيين ملتزمين به – بينما يعرف الإيرانيون كيف يستغلون المخاوف الأوروبية. فقد أعلنت طهران بالفعل أنها تستطيع التحرك بسرعة لتركيب أجهزة طرد مركزي جديدة وأكثر فعالية ولن تحد من إنتاجها. ومن المؤكد أن ذلك سيثير مخاوف في صفوف الأوروبيين بشأن ازدياد خطرنشوب حرب ويقودهم إلى تقديم حوافز للإيرانيين للبقاء في الاتفاق النووي.
وبالنسبة لأولئك الذين يقولون أن الإدارة الأمريكية تستطيع الضغط على أوروبا من خلال التهديد بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع الإيرانيين، [أقول لهم] لا تراهنوا على ذلك. ولطالما قاوم الأوروبيون مثل هذه العقوبات الثانوية، ونظراً إلى عدم شعبية ترامب مع الجماهير الأوروبية، فهناك قلة من القادة الذين سيريدون أن يظهروا بأنهم يذعنون للتهديدات الأمريكية.
وبطبيعة الحال، سوف تحترس بعض المصارف والشركات الأوروبية من العقوبات الأمريكية المحتملة، مع تأثير سلبي على استعدادها للاستثمار في إيران. ولكن هذه المخاوف قائمة حتى دون انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق. ولا تزال العقوبات الأمريكية قائمة على إيران بسبب دعمها للإرهاب وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وهي حقيقة تساعد على تفسير سبب استمرار إيران في الشكوى من عدم جنيها الفوائد الاقتصادية التي توقعتها من الاتفاق النووي.
لكن قلقي هو من أن يذهب الانسحاب الأمريكي إلى أبعد من ذلك. فمن شأنه أن يخلق وهم التشدد مع إيران دون التأثير عليها. فالخطر الذي تشكّله الجمهورية الإسلامية هو توسعها في المنطقة، فهي تستخدم وكلائها من الميليشيات الشيعية لإحكام قبضتها على الحكومات. كما أنها تنخرط عسكرياً في سوريا، حتى أنها تحاول تغيير التوازن الديموغرافي عن طريق جلب الميليشيات الشيعية (والمدنيين الشيعة) لإسكانهم في المناطق السنية. وهو أمر يُراد به منع اللاجئين من العودة إلى ديارهم، ولكنه يُرجح أيضاً أن يضمن استمرار التمرد في سوريا. والأسوأ من ذلك أن إيران تبدو أقل عزوفاً بشكل متزايد عن المخاطرة في سوريا. فقد تصرفت على غير طبيعتها عندما اختارت تحدي إسرائيل بشكل مباشر، وليس من خلال أحد وكلائها، عندما أرسلت طائرة بدون طيار لاختراق المجال الجوي الإسرائيلي.
لقد أوضحت إسرائيل أنها لا تستطيع العيش مع تواجد عسكري إيراني موسع في سوريا، فالإسرائيليون يؤمنون أن ذلك يشمل خطط لتصنيع أنظمة توجيه متقدمة في سوريا ولبنان لأكثر من 120,000 صاروخ تحت حوزة «حزب الله». إن حجم إسرائيل والعدد الصغير نسبياً من أهداف بنيتها التحتية العسكرية والمدنية الحساسة، لا يعني أنها تتمتع برفاهية الانتظار إذا قامت إيران بهذا التحرك. ومن السهل أن ندرك كيف تبدأ الحرب بين الإسرائيليين وإيران/«حزب الله» ولكن استنتاج كيفية انتهائها ليس أمراً سهلاً.
إن احتواء انتشار الإيرانيين ووكلائهم واحتواء تطور قدراتهم العسكرية في سوريا يجب أن يكون النقطة المركزية لإدارة الرئيس الأمريكي. لكن الأمر ليس كذلك، فقد أوضح ترامب أنه يريد “السماح للآخرين بالاهتمام بالأمر الآن”.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن مراوغة التهديد الإيراني الحقيقي يجب أن تحتل أولوية قصوى هناك، وهذا يتطلب تعبئة الدعم لهذا الغرض، وليس القول بأن الأمر متروك للآخرين.
قد يؤمن ترامب بأن الابتعاد عن الاتفاق النووي يجعله يبدو صارماً مع طهران، ولكن الأمر ليس كذلك. فالابتعاد يتجاهل التهديد الحقيقي ويمنح الإيرانيين النصر. فهم سيعرفون أن الولايات المتحدة لوحدها ولن يكون هناك أي ضغط حقيقي لوقف ما يقومون به في المنطقة. إن المفارقة الكبرى هي أن إحدى الطرق للتعامل مع نقاط الضعف التي أوجدها الاتفاق وتعزيز الردع الأمريكي هي الإظهار للإيرانيين بأن الولايات المتحدة ستقوم بالرد كلما تجاوز سلوكهم الحد، بدءاً من منطقة [الشرق الأوسط]. لقد استغل الاتفاق النووي الإيراني الوقت فيما يتعلق بالمسألة النووية، والآن ليس بالتأكيد لحظة التخلّص منه.