مسيرة الغضب والكاوتشوك والمرايا

1

 
 
د. فايز رشيد
 
” نعم, الشعب الفلسطيني مستمر في مسيرته حتى مسيرة العودة المظفرة إلى البيوت والأراضي الأصلية, التي لا يسقط حقه فيها بالتقادم. إسرائيل مثل كل المحتلين, اعتقدت وتعتقتد بأن أساليبها الفاشية سترهب الفلسطينيين, فيصبح الاحتلال للأرض مسألة طبيعية! هاهي ذكرى إقامة دولتها القسرية تقترب من السبعين, فهل استكان الشعب الفلسطيني يوماً؟”
من شاهد سحابات الدخان الأسود وهي تغشي أبصار الجنود الإسرائيليين, يدرك معنى ابتكار الفلسطينيين لكافة أشكال المقاومة: من الحجر, السكين, الدهس إلى إحراق كميات كبيرة من الإطارات, إضافة إلى المرايا المكسّرة, لتعكس أشعة الشمس في عيون القتلة فلا يعودوا يرون. في الجمعة الأولى في الثلاثين من مارس استشهد 18 شابا فلسطينيا, من بينهم 8 من الأسرى المحررين. لقد زود الجيش الفاشي الشايلوكي جنوده بمناظير مكبرة وصورا للعديد من المستهدفين. كما أصيب 1500 فلسطيني بعضهم بإصابات بالغة. حتى اتجاه الريح كان مع شعبنا, فسار الدخان باتجاه الجنود القتلة. لم تحمهم سواتر التراب التي كوّموها, ولا الكميات الهائلة من المياه العادمة, التي رشّوا الإطارات والمتجمعين بها, ولا قنابل الغاز التي ضربوها على الآلاف المؤلفة من الفلسطينيين, في محاولة لتفريق الجموع, أبّنت الجماهير الغفيرة في الخيم المنصوبة كل شهداء الأسبوع الفائت, وصلّوا صلاة الجمعة فيها, معلنين استمرار مسيرة العودة, حتى العودة المظفّرة إلى الأرض والوطن الفلسطيني.
الغريب , أن العدو الصهيوني قبل أيّام اشتكى إلى المنظمة الدولية للبيئة من نوايا الفلسطينيين إحراق الآلاف من الإطارات, وتأثير ذلك على البيئة! ناسياً أو متناسيا أن الوجود الصهيوني نفسه هو أكبر خطرٍ على البيئة, وأن احتلاله للأرض الفلسطينية هو بمثابة السرطان الخبيث, الذي لا يبرأ الجسم منه, إلا باستئصاله من جذوره, وحتى آخر خلية فيه. إن استمرار المسيرة ,التي هي بمثابة انتفاضة جديدة ,تستحق أن تسمى بـ “انتفاضة العودة” . إنها تذكّر بأساليب الحرب الفيتنامية, التي تفنن الفيتناميون في ابتكارها, حتى أجبروا قوات الاحتلال الأميركية على الرحيل, وفي النهاية لم بجد السفير الأميركي في سايجون,غير طائرة هليوكبتر, حلّقت وتوقفت فوق مبنى السفارة, حتى صعد إليها عن طريق سلّم من الحبال ,هو وكلّ من تبقى من أفراد طاقم السفارة.
إضافة إلى ما ذكرناه عن رسائل مسيرة الغضب في مقالة سابقة, فإن النضال الفلسطيني قد عاد إلى واجهة الأحداث, فالكثير من الشرائح الشعبية في الدول الغربية, المتضامنة في العادة مع إسرائيل, أعلنت تضامنها مع نضال الشعب الفلسطيني, وأخذت في لوم حكوماتها على تأييدها لدولة القتلة ,التي تقوم بقتل المتظاهرين العُزّل من السلاح. مثل هذه الأنشطة ظهرت حتى في أميركا وكندا, الشيء الذي يذكّر بموقف الشعب الأميركي وشعوب أوروبا الغربية في إدانة الاحتلال الأميركي لفيتنام. لقد أتقنت جبهة التحرير الفيتنامية الوصول إلى الشارع الأميركي, وها هو النضال الفلسطيني العادل يشق طريقه إلى ضمائر شعوب العالم, في ظلّ انكشاف متزايد للفاشية الصهيونية, فلم تعد إسرائيل قادرة على ممارسة زيفها وأكاذيبها وأساطيرها التضليلية على شعوب العالم.
نعم, الشعب الفلسطيني مستمر في مسيرته حتى مسيرة العودة المظفرة إلى البيوت والأراضي الأصلية, التي لا يسقط حقه فيها بالتقادم. إسرائيل مثل كل المحتلين, اعتقدت وتعتقتد بأن أساليبها الفاشية سترهب الفلسطينيين, فيصبح الاحتلال للأرض مسألة طبيعية! هاهي ذكرى إقامة دولتها القسرية تقترب من السبعين, فهل استكان الشعب الفلسطيني يوماً؟ الكلّ بما في ذلك إسرائيل, تدرك هذه المسألة, ولذلك فإن كلّ صهيوني على الأرض الفلسطينية لا ولن يشعر يوماَ بالاستقرار ولا بالأمن ولا الأمان فيها! خذوا تجربة الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 1948, فهل استكانوا يوماً للاحتلال؟ حاولت الدولة الصهيونية أسرلتهم وتنسيتهم ثقافتهم وعروبتهم وفلسطينيتهم ,فهل استطاعت؟. بالمقابل فإن كل صهيوني متواجد على الأرض الفلسطينية الطاهرة ,هو في صميمه يدرك بأن فلسطين ليست أرضه, وبلده هي التي هاجر أبوه أو جدّه أو جدّ جدّه منها, وهو يحاول الهجرة من هذه الدولة التي تعتبر دولة الحاخامات والعسكر, هذا ما تقوله إلإحصائيات الإسرائيلية نفسها. لقد فشل المبدأ الإسرائيلي القائل “ما لم تستطع أخذه بالقوة, فستأخذه بمزيدٍ من القوة”. القوة لم تثبت نجاعتها على مدى التاريخ إلا مؤقتاً, وفي النهاية اضطر كل المستعمرين أن يحملوا عصيّهم على كواهلهم ويرحلون. الاحتلال الصهيوني لفلسطين هو آخر استعمار في عصرنا, وسيكون الأخير.
التحية لأبناء الشعب الفلسطيني المتنفضين في الأراضي الفلسطينية المحتلة, الذين تسترخصون الغالي والنفيس في سبيل العودة إلى بيوتهم الأصلية في الوطن المحتل, يا من يبذل الواحد منهم روحه ودماءه في سبيل الوطن الأغلى إلى قلوبنا جميعا .. إن الشعب الفلسطيني بهذه المواصفات , بهذا الابتكار, بهذه الصلابة ..لا بد منتصر.

التعليقات معطلة.