ردّاً على آخر التقارير حول استخدام قوات نظام الأسد للأسلحة الكيميائية بالقرب من دمشق في 7 نيسان/أبريل، مما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين في بلدة دوما في سوريا وفقاً لبعض التقارير، غرّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلاً هناك “ثمن كبير يجب دفعه”. ثم أضاف في وقت لاحق في اجتماع مع أعضاء حكومته في 9 نيسان/أبريل: “لا يمكننا السماح بفظائع كهذه. لا يمكن أن نسمح بها… ليس هناك شيء مستبعد”. ثم حذّر من أنّه بغضّ النظر عن مسؤولية روسيا أو نظام الأسد أو إيران، سيكون رد الولايات المتحدة “قاسياً جداً”، مكرّراً أن جميع الأطراف المعنية “ستدفع الثمن”.
وإذا اختارت الولايات المتحدة العمل عسكرياً، يتعيّن على سياستها أن تراعيَ عدة اعتبارات. أولاً، يجب أن تسعى واشنطن إلى شق التحالف بين بشار الأسد وإيران وروسيا. ويعني ذلك تجنّب التصرفات التي يمكن أن تقرّب أعضاء التحالف من بعضهم البعض في الوقت الذي قد تتباعد فيه مصالحهم (على سبيل المثال، قد تكون موسكو منزعجة من مبالغة الأسد في استخدام الأسلحة الكيميائية، لأن مثل هذه الأعمال يمكن أن تجر الولايات المتحدة مجدداً إلى الحرب في الوقت الذي يبدو أنها آخذة في الانسحاب). يتعيّن على واشنطن أيضاً تجنب الإجراءات التي تزيد من احتمالات التصعيد. وبدلاً من ذلك، يجب أن يكون الهدف هو تهدئة الوضع من خلال استعادة الردع في مواجهة نظام الأسد.
وعلى وجه التحديد، يتعيّن على أي ضربات أمريكية أن تركز على أصول النظام مع تجنب أهداف ذات مخاطر أكبر للإصابات الروسية. يجب على واشنطن أيضاً أن تدعم ضربات إسرائيل المستمرة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا (فتتسبب بذلك بتقسيم غير رسمي للعمل هناك)، لتفرض ثمناً على طهران لقاء سياساتها. يجب على الإدارة الأمريكية الاستمرار في الاحتفاظ بالحق في اتخاذ إجراءات خاصة ضد الأصول الإيرانية في سوريا عندما تهدد هذه الأفراد الأمريكيين أو المصالح الأمريكية.
ثانياً، لن تنتهيَ هذه المشكلة بدفعةٍ واحدة من الضربات. فللردع فترة صلاحية محدودة ومن المرجّح أن يستمر الأسد في تحدي المجتمع الدولي وتجاوز الخط الأحمر المتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية. لذا قد تدعو الحاجة إلى شنّ ضربات إضافية لردعه عن القيام بذلك.
ثالثاً، كانت البراميل المتفجرة والمدفعية والأسلحة الصغيرة أبرز “أسلحة الدمار الشامل” في سوريا. وفي حين تسببت الأسلحة الكيميائية بمقتل عدة آلاف من الأشخاص، إلاّ أنّ الأسلحة التقليدية أودت بحياة أكثر من مائة ألف مدني. وهكذا، ففي حين ينبغي أن تستهدف الضربات الأمريكية البنية التحتية للأسلحة الكيميائية عندما يمكن تقليص الأضرار الجانبية، إلاّ أنّه يجب عليها أن تُركز بشكل أساسي على القدرات العسكرية التقليدية للنظام. فمن شأن التركيز على قدرات الأسلحة الكيميائية فقط أن يحدّ من الضرر الذي قد يلحق بالأصول التي يمكن الاستغناء عنها – لذا يتعيّن على الولايات المتحدة أن تستهدف أيضاً القوات التي أدت دوراً أساسياً في انتصارات الأسد، وعلى وجه التحديد الوحدات الأرضية مثل “الفرقة الرابعة” المدرعة و”الحرس الجمهوري” و”قوة النمر”، إلى جانب الوحدات الجوية التي تلقي البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية. ومن شأن ذلك أن يعرقل الجهود الحربية للنظام أكثر بكثير من الضربات التي تركز فقط على قدرات الأسلحة الكيميائية.
وسيكون لاستراتيجية الاستهداف هذه منفعة إضافية تتمثل في التأثير على رعاة النظام. إذ لطالما ضمنت كل من روسيا وإيران استدامة أنشطتهما الاستطلاعية في سوريا عبر إلقاء المخاطر والأعباء على الآخرين، وخاصة «حزب الله» والميليشيات الشيعية الأجنبية الأخرى. وإذا أدت الضربات الأمريكية إلى تقليص الوحدات الأرضية والجوية الرئيسية لنظام الأسد، فمن شأن ذلك أن يزيد من العبء على روسيا، وإيران، و “الفيلق الأجنبي الشيعي” التابع للجمهورية الإسلامية، مما يرفع تكاليف تدخلهم.
ولتحقيق لهذا الهدف، يتعين على القوات الأمريكية استهداف مقرات أساسية وتدمير القدرات الرئيسية والأشخاص الذين يتولّونها. وفي حين أنّه بإمكان روسيا وإيران استبدال معدات نظام الأسد، إلاّ أنّه لا يمكنهما استبدال موارده البشرية، علماً أنّ الموارد البشرية هي أكثر ما يفتقر إليه. بالإضافة إلى ذلك، فمن خلال ضرب مقرات الوحدات الأرضية الآنفة الذكر – التي يديرها العلويون المرتبطون بالنظام عبر روابط عائلية – ستوجه الولايات المتحدة ضربةً قويةً وتضاعف من تأثيرها الرادع مقارنةً بضرب وحدات أقل أهمية أو البنية التحتية للأسلحة الكيميائية وحدها. كما ويجدر بالإدارة الأمريكية أن تفكّر في ضرب أهداف رمزية مثل القصر الرئاسي على جبل قاسيون المطل على دمشق، والذي يمكن أن يكون لتدميره تأثير نفسي كبير على النظام السوري وشعبه.
رابعاً، يجب أن تسترشد العمليات العسكرية الأمريكية بالدروس المستفادة من الجهود السابقة الرامية إلى الردع والدبلوماسية القائمة على القسرية في الشرق الأوسط:
يجب ألا تضع الولايات المتحدة خطوطاً حمراء إضافية ما لم تكن مستعدةً لتطبيقها، كما يجب أن تكون مستعدةً للرد على أي محاولات أخرى لاختبار حدود الولايات المتحدة، نظراً لأن عدم الاستجابة لن يكون سوى بمثابة دعوة للمزيد من التحديات.
نظراً إلى أنّ “قانون النزاعات المسلحة” يحظّر الردود غير المتكافئة، ينبغي على واشنطن الرد على التجاوزات السورية بطريقة غير متماثلة. وبالتالي، لا يجب أن توجه ضربتها على مصادر الاستفزاز فحسب، بل على الأصول التي يمنحها النظام قيمةً كبيرة أيضاً. إذ من شأن ضرب الأصول التي يمكن الاستغناء عنها فقط أن يمكّن الأسد من الاستمرار في تحدّيه، ومعايرته للمخاطر، واختباره حدود الولايات المتحدة بأمان أكبر. كما وسيؤدي الردّ على نحوٍ غير متماثل إلى إضفاء حالة من عدم اليقين على حسابات الأسد للتكلفة مقارنةً بالمنافع فيما يتعلق بالردود الأمريكية المستقبلية، بما يعزز الأثر الرادع للضربات الأمريكية.
ينبغي على الإدارة الأمريكية أن توضح أن ضرباتها لن تكون عمليةً تحدث لمرة واحدة فقط، وذلك بإضافة عامل غموض بشأن إمكانية توجيه ضربات مستقبلية. وخلاف ذلك، قد يعتقد الأسد أنّ بإمكانه أن يصمد أكثر من الولايات المتحدة، وسوف يكون التأثير الرادع للضربة محدوداً.
وأخيراً، على واشنطن أن تهدد بتوجيه ضربة لاختبار إمكانيات استحداث دبلوماسية متعددة الأطراف. وقد يساعد هذا التهديد على دق إسفين في العلاقة بين دمشق وموسكو، وربما خلق فرص جديدة للضغط على سوريا للقضاء على مخزوناتها غير المعلنة من الأسلحة الكيميائية ومراقبة وقف إطلاق النار مع مختلف القوى المتمردة في جميع أنحاء البلاد – على الرغم من أن التجربة في هذا المجال لا توفر سبباً للتفاؤل.