علي العبدالله

1

قمة أنقرة التي باعت الأوهام

لم تكن قمة ثلاثي آستانة، روسيا تركيا وإيران، في أنقرة يوم 4/4/2018 سوى قمة طمس الحقيقة وبيع أوهام وأكاذيب حول نجاح خطة الثلاثي في خفض القتال، اقرأ القتل، في سورية عبر إقامة مناطق خفض التصعيد الأربع. جاء في البيان الختامي للقمة «أن صيغة آستانة هي أكثر مبادرة دولية فعالة من ناحية المساهمة في غرس السلم والاستقرار في سورية، عبر تسريع عملية جنيف الرامية لإيجاد حل سياسي دائم للصراع السوري، والمساعدة على خفض وتيرة العنف في عموم سورية». وأضاف أن «الزعماء الثلاثة شددوا على مواصلة التعاون الفعّال في ما بينهم بهدف إحراز تقدم في المسار السياسي الذي نصّ عليه القرار 2254 الصادر عن المجلس الدولي وتحقيق هدنة دائمة بين أطراف النزاع»، وأن «الزعماء جددوا التزامهم بقوة بسيادة سورية واستقلالها ووحدتها، وحدة ترابها وبنيتها غير القائمة على جزء معين، وأعربوا عن إصرارهم على التصدي للأجندات الانفصالية في سورية».

منذ عقد لقاء آستانة الأول يومي 23 و24/1/2017، الذي اتفق فيه على وقف النار في سورية، وعلى تأسيس آلية ثلاثية لمراقبته «بما يضمن الالتزام الكامل به، ومنع أي أعمال استفزازية، وتحديد كافة سبل عملية وقف النار»، وفق البيان الختامي للقاء، مروراً بمسلسل اللقاءات التي عقدت في آستانة وبلغت ثمانية، حتى الآن، وخاصة اللقاء السادس يوم 13/9/2017، الذي أعلن فيه عن تحديد أربعة مناطق لخفض التصعيد، لم يتوقف القتال، القتل، في هذه المناطق تحت ذريعة استثناء المنظمات الإرهابية «داعش» و «النصرة»، وما تضيفه روسيا إليهما عبر الادعاء بقيام هذه فصائل معارضة بالتعاون والتنسيق مع «النصرة».

لقد حققت آلية خفض التصعيد للنظام وحلفائه الروس والإيرانيين فرصة وقف القتال في هذه المناطق وتحريك قواتها إلى مناطق أخرى تسيطر عليها فصائل المعارضة، حيث تم قضم مساحات شاسعة في أرياف دمشق وحلب وإدلب وحماة والبادية، كانت قبل الاتفاق على مناطق خفض التصعيد تحت سيطرة فصائل معارضة، من جهة، ومواصلة الهجوم على فصائل المعارضة في مناطق خفض التصعيد بذريعة استهداف منظمات إرهابية مستثناة من وقف النار، من جهة ثانية. وهذا ما تم في الغوطة الشرقية أخيراً، ويتوقع حدوثه في ريفي حماة وحمص. لذا لا يمكن قبول ما قاله البيان الختامي لقمة ثلاثي آستانة في أنقرة عن اتفاق خفض التصعيد وزعمه تحوله إلى صيغة «فعالة في غرس السلم والاستقرار في سورية»، في حين شهدت الفترة ذاتها عمليات عسكرية وحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة المعارضة، بما فيها تلك الخاضعة لاتفاق خفض التصعيد وتهجير قسري لآلاف المواطنين، آخرها عملية تهجير سكان الغوطة الشرقية، تنفيذاً لاتفاقات تعقد تحت القصف بمختلف صنوف الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الكيماوية، والحصار والتجويع.

كان فلاديمير فرولوف، الخبير الروسي في العلاقات الدولية قد علق على نتائج لقاءات آستانة بقوله: «تبين أن إطار آستانة لا يعمل إلا على شاشة التلفزيون الروسي، إذ نسفت دمشق وحلفاؤها الإيرانيون كل قراراته تقريباً».

لم يكن مصير سورية، دولة وشعباً، جزءاً من اهتمام ثلاثي آستانة، فعلى رغم الكلام المعسول عن استقلال وسيادة ووحدة سورية، فإن جل هم الدول الثلاث الاتفاق على مناطق نفوذها وتثبيتها ومنع الآخرين من خرق اتفاقها بخصوص هذه المناطق، البيان الختامي عبر عن هذا التوجه عندما أكد «رفض كل المحاولات الرامية لخلق واقع ميداني جديد في سورية تحت ستار مكافحة الإرهاب»، وقول وسائل إعلام رسمية في روسيا فور انتهاء القمة إنها «وجهت رسالة واضحة إلى واشنطن» بأن «الثلاثي» هو اللاعب الرئيسي في سورية حالياً، ولا يمكن الإقدام على أي خطوة من دون أخذ مواقف موسكو وأنقرة وطهران بعين الاعتبار. هذا بالإضافة إلى عدم إنجاز ثلاثي آستانة أي خطوة جدية لتوفير المساعدات الإنسانية أو التعاطي مع قضية المعتقلين والمفقودين والمختطفين والمخفيين قسراً. هذه قضايا خارج آلية خفض التصعيد وليست على أجندة ثلاثي آستانة العتيد.

مثلت مناطق خفض التصعيد لثلاثي آستانة «آلية لشرعنة تواجدها على الأرض السورية، والمشاركة في الصراع السوري كضمانة لتنفيذ نظام التهدئة»، على حد قول كبير أساتذة «مدرسة الاقتصاد العليا» في موسكو ليونيد إيساييف، الذي أكد فشلها في تأدية وظيفتها، ودعا رؤساء الدول الثلاث إلى «اتخاذ قرار بشأن وجودها المقبل». حتى صحيفة الكرملين «فيزغلاد» لم تستطع القفز عن فشل المحاولة فاعترفت بدور دول ثلاثي آستانة في تسعير الصراع في ضوء خلافاتها البينية وتناقضاتها مع الآخرين، وأن ما يجمعها هو خلافها مع الغرب، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وقد دفعتها الرغبة في خلق توازن مع أميركا في المنطقة إلى توحيد جهودها. كل هذا دفع وزير دولة في وزارة الخارجية الألمانية نيلس آنن إلى وصف قمة أنقرة بـ «قمة حرب في الواقع»، لأن الأطراف الثلاثة متورطة عسكرياً في الحرب في سورية.

التعليقات معطلة.