في الحدث: نحو صندوق للنقد الأفريقي

1

طارق أشقر

تأسيس “صندوق نقد دولي أفريقي” برأسمال مدفوع يبلغ ثلاثة وعشرين مليار دولار اميركي…. هذا أحدث ما كشف عنه الاتحاد الأفريقي الأسبوع الجاري خلال اجتماع لوزراء المالية والاقتصاد الأفارقة بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وذلك بهدف العمل على تسهيل نمو التجارة البينية وتسوية المدفوعات للدول الأعضاء بالاتحاد الأفريقي وتشجيع التدفقات الرأسمالية بين اربع وخمسين دولة هي إجمالي أعضاء دول الاتحاد الافريقي.
الخطوة في مجملها، إن تمكن الاتحاد الأفريقي من تنفيذها، يعتبرها اقتصاديون بمثابة نقلة اقتصادية بالضرورة سيكون لها دورها الإيجابي في ان تجد منتجات دول الاتحاد لأسواق واسعة يبلغ اجمالي عدد مستهلكيها حوالي مليار ومائتين وستين مليون نسمة اجمالي سكان القارة السمراء، وهي سوق ستكون مضمونة لكافة دول الاتحاد بحكم اتفاقيات التجارة البينية بينها، وهذا بدوره سوف يعزز من نمو التجارة في تلك الدول.
وبتأكيد الاتحاد الأفريقي على ان قيام صندوق نقد خاص بأفريقيا سيسهم في تسوية المدفوعات بين الدول الأعضاء، مما يعتبر إنعاشا منتظرًا للكثير من اقتصادات دول الاتحاد الأفريقي التي أصبحت فيها “العملات الأجنبية الحرة “كالدولار والجنيه الإسترليني بمثابة “سلعة” تباع وتشترى، وليست عملات يخضع التعامل فيها لسعر الصرف الرسمي المحدد من البنوك المركزية لتلك الدول، بل يحدد أسعار صرفها مستوى “العرض والطلب” على تلك العملات كأي سلعة استهلاكية أخرى، وذلك لما تعانيه بعض تلك الدول من اختلالات هيكلية في اقتصاداتها.
وعليه، ووفق الاقتصاديين، فإن قيام صندوق نقد افريقي خاص من ضمن أهدافه تسوية المدفوعات للدول سواء لصالحها تجاه الآخرين أو بين بعضها البعض، فإن الحرص على تحقيق هذا الهدف عبر توسيع التجارة البينية بين دول الاتحاد، سيسهم بالنتيجة في تخفيف العبئ على تلك الدول ولربما تقليل حاجتها لتوفير العملات الأجنبية لاستخدامها في الإيفاء بمتطلبات الاستيراد من الخارج، وذلك على أمل ان يقوم صندوق النقد الأفريقي بدوره في هذا الجانب، فضلا عن ان توفير احتياجات تلك الدول السلعية من منتجات بعضها البعض سيغنيها عمليا عن توفير العملات لتتحول بعض عمليات التجارة البينية إلى “مقايضات تجارية” بمنطق سلعة بسلعة، في حين تظل المحاسبة “دفترية” تدفع بالسلع وليس بالنقد والاعتمادات البنكية.
ورغم تحفظ بعض الاقتصاديين على مثل هذا النوع من التعاملات التجارية – اي “المقايضة”، باعتبار انه سيعزز من مستوى ضعف الهياكل الاقتصادية في وقت يفترض ان تسعى فيه الدول إلى تعزيز صادراتها ذات “العائد النقدي” الحر دون مبادلة من أجل أن تتوسع خيارات الدولة في استخدام ايراداتها المالية النقدية فيما تريد شراؤه او استيراده، الا ان اسلوب “المقايضة السلعية” فرضته الكثير من الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض من تلك الدول، مما يجعل تعزيز التجارة البينية أمرًا إنعاشيًّا لاقتصاداتها.
ومع استبشار الكثير من الاقتصاديين بخطوة العمل على انشاء “صندوق نقد افريقي”، كونه سيعزز من التدفقات الرأسمالية بين دول الاتحاد ويساعدها على الاستفادة من رؤوس اموال رجال الاعمال فيها للاستثمار في الداخل الأفريقي، الا ان بعضهم يرون ان الخطوة لها تحدياتها والتي أهمها كيفية التعامل مع ما يعرف بعملة “الفرنك الأفريقي” الذي يعتبر عملة موحدة لعدد ثماني دول فرانكفونية في غرب افريقيا ذات ارتباط مباشر بالمنظومة الفرانكفونية مما قد يعيق تنفيذ الفكرة على المدى القريب، في حين ان بقية العملات تعتبر عملات وطنية فردية يسهل التفاوض الفردي بشأن اندماجها في نظام صندوق النقد الافريقي الجديد.
وكيفما كانت التحديات، فإن هذه الخطوة لو تحققت، يكون الاتحاد الافريقي قد نجح بامتياز في تلمس الطريق الصحيح لمفهوم التجمعات الإقليمية التي ينبغي ان يكون محورها الأساسي هو تحقيق اهداف اقتصادية مباشرة دون اعتبار لأي عوامل أخرى ذات ابعاد سياسية أو قومية أو غيرها.

التعليقات معطلة.