دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى إجراء انتخابات مفاجئة في 24 حزيران/يونيو، أي قبل عام ونصف تقريباً من موعدها المقرر في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. ومن المتوقع أن يفوز فيها أردوغان لأنه نجح مرّة أخرى في قلب الموازين لصالحه – والتي تشمل، القومية المتشددة، والنمو الاقتصادي القوي، وحالة الطوارئ ما بعد الانقلاب التي تسمح له بنشر قوات الأمن لسحق المعارضة التي تواجهه،والسيطرة الكاملة تقريباً على وسائل الإعلام التركية.
لقد نما الاقتصاد التركي بنسبة 7.4 في المائة العام الماضي. لذلك، ينتهز السيد أردوغان الفرصة الآن لينال الفضل في الأداء الاقتصادي القوي قبل أن يُظهر الاقتصاد علامات تضخّم. وثمة مخاوف من حدوث طفرة ائتمانية لأن معدل التضخم السنوي بلغ ذروته في تشرين الثاني/نوفمبر مسجّلاً نسبة 13 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ 14 عاماً. وفي كانون الأول/ديسمبر، تضخّم عجز الحساب الجاري ليبلغ 4.7 في المائة من “الناتج المحلي الإجمالي”، وهبطت الليرة إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق في نيسان/أبريل.
ويتمتع السيد أردوغان بالدعم الشعبي بسبب زيادة النزعة القومية التركية بعد انتصاره في منطقة عفرين بشمال سوريا، واستيلاء الجيش التركي وفروعه عليها وإخراج «وحدات حماية الشعب» الكردية. ويُذكر أن «وحدات حماية الشعب» مرتبطة بـ «حزب العمال الكردستاني» – الجماعة الإرهابية التي تقاتلها تركيا منذ عقود.
لكن هناك مخاوف من إجراء الانتخابات في وقت لا تزال فيه حالة الطوارئ قائمة، تلك الحالة التي فُرضت في أعقاب الانقلاب الفاشل في عام 2016. وتمنح حالة الطوارئ الشرطة، التي تسيطر عليها الحكومة المركزية، الحق في اعتقال أي شخص من دون أمر من المحكمة وتعطي الإدارة الحكومية التفويض لتقييد حرية التعبير والتجمع وإنشاء الجمعيات.
وقد استخدمت الحكومة التركية هذه السلطة الاستثنائية ليس للتضييق على متآمري الانقلاب فحسب، بل لقمع الأحزاب والناشطين المعارضين أيضاً. فقد تم سجن صلاح الدين ديمرطاش [دميرتاش]، رئيس «حزب الشعوب الديمقراطي» [(«حزب ديمقراطية الشعوب»)] الموالي للأكراد، إلى جانب ثمانية نواب آخرين منتمين لهذا الحزب. كما تم طرد أحد عشر مشرعاً من أعضاء الحزب التسعة والخمسين من البرلمان.
واعتبر نائب رئيس الوزراء التركي، أنّ كمال كليجدار أوغلو، رئيس «حزب الشعب الجمهوري»- الحزب الرئيسي المعارض – هو “قضية أمن قومية”. وحُكم على أنيس بربر أوغلو، نائب بارز في «حزب الشعب الجمهوري»، بالسجن لمدة خمس سنوات بعد اتهامه بتسريب شريط فيديو إلى الصحيفة المعارضة “جمهوريت” يُزعم أنه يُظهر عناصر من المخابرات التركية ينقلون الأسلحة إلى سوريا.
وليس هناك شك أن معارضي السيد أردوغان هم في ساحة غير عادلة. فعلى سبيل المثال، يحصل الأتراك على معظم الأخبار من التلفزيون. وفي الوقت الحاضر، تبثّ شبكات الأخبار التركية بشكل حصري تقريباً آراء ووجهات نظر السيد أردوغان. فوفقاً لدراسة قامت بتحليل التغطية الإخبارية الحية في أكبر 17 شبكة في تركيا في آذار/مارس الماضي – أي قبل استفتاء نيسان/أبريل 2017 حول التعديلات الدستورية المتعلقة بتأييد الرئاسة التنفيذية أو معارضتها – حصل حزب اردوغان على 470 ساعة من البث، و«حزب الشعب الجمهوري» على 45 ساعة، و«حزب الحركة القومية» على 15 ساعة، أمّا «حزب الشعوب الديمقراطي» فلم يحصل على أي دقيقة. ومع بيع مجموعة “دوغان ميديا”، أكبر مجموعة إعلامية تركية، في آذار/مارس إلى شركة “ديميرين” القابضة المؤيدة للحكومة، أصبحت الشركات الموالية لأردوغان تسيطر على 90 بالمائة من وسائل الإعلام التركية.
وفي السياق نفسه، قد تؤدي التغييرات الأخيرة في النظام الانتخابي التركي إلى ترجيح الكفة لصالح السيد أردوغان. فتركيا تتبع نظام التصويت الورقي. وينص قانون جديد على أن يكون رئيس مجلس مراقبة الانتخابات في كل منطقة من مناطق البلاد مسؤولاً حكومياً. وسابقاً، كان يُنتخب رئيس هذا المجلس بأغلبية الأصوات في المجلس، الذي ضم ممثلين عن جميع الأحزاب السياسية. ويثير هذا التغيير مخاوف من أنه قد لا يكون هؤلاء المسؤولين صادقين خلال عملية فرز الأصوات.
وعلى نحو تقليدي، يتم وضع أوراق الاقتراع في ظروف رسمية بعد ختمِها من قبل مسؤولي صناديق الاقتراع لمنع الناخبين من التزوير. أمّا القانون الجديد فينص على أنه حتى وإن كانت أوراق التصويت تفتقر إلى ختم مسؤولي صناديق الاقتراع ستعتبر صالحة، مما يثير المخاوف من تعبئة صناديق الاقتراع بأصوات مزيفة.
وفي هذا الإطار، عمل أردوغان على تحييد منافسَين رئيسيين: ميرال أكسينر، سياسية قومية من يمين الوسط، أسّست مؤخراً “حزب الخير”، وصلاح الدين ديمرطاش، الزعيم المسجون لـ «حزب ديمقراطية الشعوب» المؤيد للأكراد. وفي هذا الصدد، تشكّل السيدة أكسينر المنافس اليميني الوحيد أمام أردوغان في تركيا، حيث شكلت الأحزاب اليمينية الحكومة منذ عام 1950 باستثناء فترة دامت 17 شهراً. وقد انفصلت السيدة أكسينر عن «حزب الحركة القومية» المتطرف العام الماضي بسبب خلافات حول قرار زعيم الحزب الحاكم بدعم السيد أردوغان خلال استفتاء نيسان/أبريل الماضي حول الرئاسة التنفيذية. وإذا تمكنت من تحقيق زيادة كبيرة في أصواتها، فستتمكن من إلحاق بعض الضرر بالسيد أردوغان.
لكن، وبهذه الخطوة الذكية التي اتبعها أردوغان في اختيار موعد الانتخابات، يمكن عدم تأهيل «حزب الخير» من خوض الانتخابات. إذ يتطلب القانون الانتخابي التركي من الحزب السياسي عقد مؤتمر للحزب قبل ستة أشهر من خوض الانتخابات. وهكذا، يكون «حزب الخير» متأخراً عن الموعد النهائي في 24 حزيران/يونيو بأربعة أيام.
وتتمتّع تركيا بعتبة انتخابية عالية، تتطلب من الأطراف الفوز بنسبة 10 في المائة من الأصوات الوطنية قبل تمكنها من الحصول على تمثيل في الهيئة التشريعية. وحالياً، تُشير الاستطلاعات بأن «حزب الخير» سيحصل على أقل من 10 في المائة من الأصوات. ولم يترك السيد أردوغان للسيدة أكسينر سوى القليل من الوقت والمجال لتحويل كتلتها الناشئة إلى قوة معارضة هائلة.
أمّا المنافس الآخر للسيد أردوغان فهو زعيم «حزب الشعوب الديمقراطي» السجين السيد ديمرطاش. ويتمتع هذا الأخير بالجاذبية مثل السيد أردوغان وهو محبوب أيضاً. وخلال انتخابات حزيران/يونيو عام 2015، قام بتوسيع القاعدة القومية الكردية التقليدية لحزبه من خلال التواصل مع الناخبين الليبراليين الأتراك. وكانت هذه المرة الأولى التي يتخطى فيها حزب موالٍ للأكراد العتبة الانتخابية البالغة 10 في المائة ويدخل البرلمان التركي.
وجاء فوز السيد ديمرطاش لينفي وجود أغلبية برلمانية لـ «حزب العدالة والتنمية» الذي يترأسه السيد أردوغان. ولكن، بعد انهيار محادثات السلام وتجدد الصراع بين الجيش التركي و«حزب العمال الكردستاني» في صيف عام 2015، لم يتمكّن السيد ديمرطاش من إبعاد نفسه وحزبه عن «حزب العمال الكردستاني». ونتيجة لذلك، تخلى الناخبون الأكراد من الوسط والأتراك الليبراليون عن «حزب الشعوب الديمقراطي».
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016، تم اعتقال السيد ديمرطاش لعدم مثوله أمام المحكمة للإدلاء بشهادته في التحقيقات المستمرة المتعلقة بـ «حزب العمال الكردستاني». ودون قيادته وبعد خسارة الناخبين الجدد، قد يجد «حزب الشعوب الديمقراطي» صعوبة في تخطي عتبة الـ 10 في المائة.
لذلك، من المرجح أن يهيمن «حزب العدالة والتنمية» الذي يتزعمه أردوغان على البرلمان التركي الجديد، فضلاً عن فوز «حزب الشعب الجمهوري» بمقاعد في البرلمان، وهو قوّة عديمة الفائدة كانت قد فازت بـ130 مقعداً من أصل 550 في الانتخابات الأخيرة، إلى جانب «حزب الحركة القومية» اليميني المتشدد، المتحالف مع السيد أردوغان والذي سيتنافس في الدخول في ائتلاف مع «حزب العدالة والتنمية».
سيحصل «حزب العدالة والتنمية» على أغلبية راسخة في البرلمان الجديد. وسيكون يوم الاقتراع – 24 حزيران/يونيو – يوماً تاريخياً في تركيا. فقد فاز أردوغان بفارق ضئيل في استفتاء نيسان/أبريل 2017 لتغيير النظام السياسي التركي من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وستبدأ السلطة التنفيذية الممثلة بالرئاسة، والتي ستمنح السيد أردوغان صلاحيات واسعة، تنفيذها بعد 24 حزيران/يونيو، وستنتقل تركيا رسمياً إلى حقبة جديدة يكون فيها للرئيس الكلمة الأخيرة كرئيس للدولة والحكومة والشرطة والجيش والحزب الحاكم.