مقاربة أميركية – فرنسية شاملة حيال إيران

1

بشير عبد الفتاح

في مسعى لتلافي مثالب الاتفاق النووي المبرم مع إيران، خصوصاً الفصل بين الملف النووي الإيراني وأي قضايا خلافية أخرى، عمد الرئيسان الفرنسي والأميركي إلى تبني مقاربة تقوم على الربط بين الملف نفسه وبرنامج طهران للصواريخ الباليستية وتدخلاتها في شؤون دول الجوار، فخلال القمة التي جمعتهما أخيراً في البيت الأبيض، دعا الرئيس دونالد ترامب إلى بلورة اتفاق نووي جديد مع إيران يستند إلى أسس متينة ويتضمن الملفات الخلافية كافة، محذراً المشرعين الأميركيين والحلفاء الأوروبيين من أن عدم إصلاح العيوب الكارثية في الاتفاق النووي الحالي سيدفع واشنطن إلى الانسحاب منه. بدوره، أبدى الرئيس ماكرون تفهمه إمكان توسيع نطاق الاتفاق النووي ليتضمن مراقبة أنشطة إيران النووية وبرامجها الصاروخية وكبح جماحها لمدى زمني يمتد إلى ما بعد العام 2025. وتباحث الرئيسان حول ضرورة وضع الاتفاق ضمن «إطار جديد للعمل» في الشرق الأوسط، ليكون جزءاً من رؤية أوسع للأمن في المنطقة. واقترح ماكرون التمسك بالاتفاق الحالي على أن يجري العمل في الوقت ذاته على ضبط برنامج طهران للصواريخ الباليستية، والحد من نفوذها في اليمن وسورية والعراق ولبنان. وبرر ماكرون تمسك بلاده بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي الراهن بحرصها على كبح جماح إيران النووية وعدم ترك الشرق الأوسط فريسة للفوضى، والسقوط في براثن المجهول المطلق، أو الانزلاق إلى سباق التسلح النووي، خصوصاً مع عدم وجود بديل ملائم.

ويمكن إرجاع التحول في الموقف الأميركي حيال إيران عموماً والاتفاق النووي تحديداً، إلى حرص ترامب على الوفاء بتعهده خلال حملته الانتخابية الانسحاب من ذلك الاتفاق ومنع طهران من زعزعة استقرار المنطقة، وتجاوبه مع ضغوط عربية وإسرائيلية في هذا الاتجاه. أما التحول في الموقف الفرنسي حيال طهران، فربما جاء في سياق تفاهمات اقتصادية وتجارية تمت خلال زيارة ماكرون لواشنطن، التي يحتمل أن يكون ترامب قد وعد خلالها بإلغاء أو تقليص الرسوم التي فرضها على صناعة الصلب والألومنيوم الفرنسية.

ولعل تناغم الكيمياء السياسية بين ترامب وماكرون قد لعب دوراً مهماً في هذا الصدد، فعلى رغم خلافاتهما بشأن سبل إدارة العلاقات داخل الناتو واتفاقية باريس للمناخ، علاوة على الفجوة الجيلية والمعرفية بينهما، إلا أن كلاً منهما جاء من خارج الدوائر والمؤسسات السياسية العريقة في بلديهما، وتمكن من الوصول إلى السلطة بعد قلب المعادلات السياسية والإطاحة بالنخب القديمة. كما تؤشر المشاركة الفرنسية في الضربة الثلاثية التي استهدفت مواقع للأسلحة الكيماوية في سورية أخيراً، لانتزاع باريس دور الحليف العسكري لواشنطن داخل أوروبا من بريطانيا، التي يسعى ماكرون لاستغلال غيابها عن الساحة العالمية جراء انشغالها بالبريكزيت وتداعياته.

غير أن تحديات عدة تحاصر المقاربة الأميركية الفرنسية في التعاطي مع إيران، أبرزها: إصرار الأخيرة على التصعيد حال انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. فعلى رغم ضعف موقفها التفاوضي هذه المرة مقارنة بأجواء المفاوضات النووية قبل ثلاث سنوات، تأبى إيران الانصياع لأي مساعٍ لتقويض الاتفاق النووي. وبينما حذر وزير الخارجية الإيراني من استعداد بلاده لاستئناف تخصيب اليورانيوم، هدد رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام بانسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية إذا تخلى الأميركيون عن خطة العمل المشتركة. وكأن طهران عازمة على استلهام تجربة كوريا الشمالية قبل عشر سنوات حينما ردت على حنث واشنطن بتعهداتها وحوافزها التي عرضتها عليها مقابل وقف أنشطتها النووية، بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وتجميد المفاوضات والتفاهمات مع السداسية الدولية، وطرد المفتشين الدوليين، ثم معاودة تطوير قدراتها النووية والصاروخية بوتيرة أسرع عبر إجراء العديد من التجارب والاختبارات.

ويشكل موقف بقية الشركاء في الاتفاق النووي كروسيا وألمانيا وبريطانيا والصين، تحدياً آخر لأي تحرك أميركي منفرد، لاسيما أن تلك الدول لا تزال ترى في الاتفاق خطوة إيجابية يمكن الارتكان إليها في منع طهران من امتلاك السلاح النووي والحيلولة دون انفجار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة أصلاً، بما يستوجب الحفاظ عليها طالما عكفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تأكيد التزام طهران ببنود ذلك الاتفاق. وبينما يرى خبراء أمــيركيون أن في حوزة إيران جماعات ضغط بالعواصم الغربية الرئيسية التي تتنامى مصالحها في إيران، خصوصاً إذا تم تطبيع العلاقات معها ورفع العقوبات عنها، اعتبرت مصادر ديبلوماسية عربية في واشنطن، أن قـــمة ترامب ماكرون، وكذلك القمة الأميركية الألمانية، تظهران مدى حرص دول الاتحاد الأوروبي وكذلك روسيا والصين على الدفاع عن الاتفاق النووي.

ثمة تحدٍ آخر أمام المقاربة الفرنسية الأميركية المرتقبة حيال طهران يتمثل في كيفية ترجمتها إلى صيغة أو آلية بديلة للاتفاق النووي القائم شريطة أن تتسم بالفاعلية والقابلية للتطبيق، بما يساعد في تحقيق المعادلة الصعبة المتمثلة في بلوغ آمال وتطلعات ترامب وحلفائه في الخليج وتل أبيب بشأن إيران من جهة، وإضفاء الشرعية على تلك الصيغة أو الآلية سواء من خلال دعم ومباركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو عبر نيل موافقة بقية الشركاء في السداسية الدولية، على الجهة الأخرى.

 

التعليقات معطلة.