تخوض القوى السياسية العراقية، حراكاً خلف الكواليس، لتحديد تحالفات ما بعد الانتخابات النيابية المقررة في 12 من الشهر الحالي، في خطوة ترمي لرسم ملامح الحكومة المقبلة، ومنصب رئيس الوزراء الجديد.
محور هذه التحركات تعتمد، وفقاً لمصدّر مطلع، على مدى قرب قادة الكتل أو ابتعادها من زعيم ائتلاف «النصر»، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.
المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، قال لـ«القدس العربي»، إن «المالكي استقبل في مكتبه الخاص، قبل نحو 10 أيام، زعيم ائتلاف الفتح، رئيس منظمة بدر، هادي العامري»، مبيناً أن الأخير أعلن للمالكي «تأييده لمشروع الأغلبية السياسية الذي يتبناه ائتلاف دولة القانون».
وأشار إلى أن «ذلك التأييد، ستتبعه خطوة لجمع «الفتح ودولة القانون في تحالف كبير، بعد الانتخابات، إضافة إلى كتل سياسية أخرى».
وتضم قائمة «الفتح»، قادة فصائل «الحشد الشعبي»، الذين تخلوا عن أجنحتهم العسكرية لخوض الانتخابات، بأسمائهم السياسية.
وطبقاً للمصدر، فإن «وفداً يمثل زعيم حركة الحل جمال الكربولي، زار المالكي أيضاً، لإعلان الانضمام إلى مشروع الأغلبية السياسية، تمهيداً للتحالف ما بعد الانتخابات».
وترعى حركة «الحل» عدداً من القوائم الانتخابية في المحافظات «السنّية»، في الأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى، والعاصمة بغداد أيضاً.
اللقاءات الماراثونية لم تنته عند ذلك، فقد أرسل زعيم القائمة الوطنية إياد علاوي وفداً أيضاً للقاء المالكي، لإعلان تأييده لمشروع «الأغلبية»، في خطوة مشابهة للقاءين السابقين، على حدّ قول المصدر.
وفي آخر تصريح لعلاوي، قال: «ليس «ائتلاف النصر هو من قاتل داعش (…) الفتح والحشد الشعبي والولايات المتحدة وبريطانيا وإيران قاتلوا داعش أيضاً».
وأشار إلى إنه لم «يلمس إنجازات كبيرة من الحكومة العراقية ـ ليس بفعل عمل الحكومة بالضرورة، وإنما بسبب انشغالنا بالحرب على داعش وبحكم الوضع في العراق».
ورأى أن «المشكلة لا تزال قائمة مع إقليم كردستان»، مؤكداً أنه مع «عودة الكرد إلى الصف الوطني».
المصدر كشف أيضاً عن «تلقي المالكي رسائل إيجابية من الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، تفيد بتأييد الحزب لمشروع المالكي».
ويبدو أن الخلاف الذي نشأ بين المالكي والعبادي، في آب/ أغسطس 2014، بعد تكليف الأخير بتشكيل الحكومة، وراء سعي المالكي لمنصب رئيس الوزراء المقبل.
كما أن عمليات «فرض القانون» في المناطق المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، وخسارة حزب بارزاني محافظة كركوك الغنيّة بالنفط، قد يكون مبرراً لتحالف مستقبلي يجمع «دولة القانون» و«الديمقراطي الكردستاني» وكتل سياسية أخرى.
رئيس حكومة اقليم كردستان، نيجرفان البارزاني، رأى، من جانبه، أن المرحلة المقبلة ستكون صعبة، وفيما شدد على أهمية وحدة الصف الكردي في بغداد، وأكد على «أهمية وحدة الصف الكردستاني خلال المرحلة المقبلة»، حسب ما جاء في مؤتمر صحافي له عقده في دهوك.
في السياق، حث الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، الأكراد والأقليات الأخرى في العراق على المشاركة بقوة وثبات وعزم في الانتخابات.
وقال في بيان، إن «الانتخابات والعملية الديمقراطية سنت لكل الطوائف لا للأغلبية فقط وعليهم أن يشاركوا بقوة وعزم «.
وأضاف «لابد لصوت الكرد أن يعلو على الظلم والفساد كما علا صوت شيعة العراق وسنته وعلى الأقليات الأخرى أن تشارك بكل ثبات وعزم».
التخلي عن العبادي
وفي ظاهرة تعدّ الأولى من نوعها، أعلنت إحدى مرشحات تحالف «النصر» في محافظة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، انسحابها من قائمة العبادي.
وقالت المرشحة هيمان رمزي محمود، وتحمل التسلسل 4 في تحالف «النصر» في محافظة أربيل، في مؤتمر صحافي، «قررت وبدون أي ضغوطات، الانسحاب من القائمة (النصر)، وعدم ترشيحي».
وبررت انسحابها قائلة: «في البداية كنا نظن أن هذه القائمة (النصر) ستكون لها سياسة مختلفة عن بقية القوائم العراقية تجاه المكونات والمواطنة، لكن لم نجد ذلك في التصريحات الأخيرة لمسؤولي هذه القائمة، لذلك قررت الانسحاب بدون أي ضغوطات».
ويأتي انسحاب محمود، بعد ثلاثة أيام، من انسحابٍ مماثل للمرشحة عن ائتلاف «النصر» في محافظة دهوك، روشن عبد السلام، وإعلانها الانضمام للحزب «الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، طبقاً لوسائل إعلام كردية.
وفي السياق، أعلن المرشح علي غدير، عن قائمة «بيارق الخير» في كركوك، بزعامة وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، انسحابه من الانتخابات، من دون ذكر الأسباب.
وقرر العبيدي خوض الانتخابات المقبلة بقائمة «بيارق الخير»، ضمن ائتلاف «النصر» بزعامة العبادي.
كذلك، أعلنت المرشحة عن تحالف «تمدن»، بزعامة النائب فائق الشيخ علي، في محافظة كركوك سوسن البياتي، انسحابها من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، عازيةً ذلك إلى عدم امتلاك الكتل السياسية برنامجاً يحقق الأمن والاستقرار ويقدم الخدمات للمواطنين.
ضغوط على ناخبي الإقليم
في السياق، كشف النائب عن حركة «التغيير» الكردية، كاوه محمد، عن ضغوط للحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني، على الناخبين في إقليم كردستان، وخصوصاً المنتسبين.
وقال في تصريح، إن «المواطن الكردي مستاء جداً من السياسات المتبعة من قبل الحزبين الحاكمين منذ سنوات خصوصاً بعد إجراء الاستفتاء وقضية أزمة الرواتب، فضلاً عن توتر العلاقة مع بغداد».
وأضاف: «الحزبان بدءا بالضغط على قوى الأمن الداخلي للضغط للتصويت لصالح أحزابهم، وهددوهم بعدم منحهم مرتباتهم إذا لم يصوتوا»، مبيناً أن «شعبية الحزبين انحسرت وهذا الأمر أصبح واضحاً».
وأوضح أن «في كل انتخابات يعتمد الحزبين الحاكمين مسألة شراء الذمم والأصوات عن طريق المال السياسي وسيطرتهم على القوات المسلحة بشتى الوسائل»، مؤكداً أن «أربيل ودهوك مسيطر عليهما من قبل حزب بارزاني والضغوطات معروفة لدى الجميع».
وأشار إلى أن «هذا التصرف هو إفلاس سياسي وأخلاقي وغير مقبول»، مؤكداً أن «أغلب الأحزاب الكردية المعتدلة تنظر إلى المواطن الكردي بأنه الشخص الوحيد الذي باستطاعته إبعاد هذه الأحزاب من خلال المشاركة الفاعلة في الانتخابات».
تسهيلات للنازحين
إلى ذلك، أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، السماح للنازحين في المخيمات بالتصويت في الانتخابات، دون الحاجة إلى البطاقات الانتخابية الإلكترونية.
وقال حازم الرديني، عضو مجلس المفوضية: «تقرر السماح للناخبين المتواجدين في مخيمات النزوح بالاقتراع دون الاعتماد على بطاقات الناخب الإلكترونية، وسيتم الاعتماد على الهويات التعريفية الأخرى الرسمية».
وأضاف أن «المخيمات التي سيُسمح التصويت فيها من دون الاعتماد على البطاقات الانتخابية ستغلق يوم الاقتراع ويمنع الدخول والخروج منها مع انطلاق عملية الاقتراع وحتى الانتهاء منها لضمان نزاهة العملية (الانتخابية)».
كانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، أعلنت من قبل أن هناك «معوقات فنية» (لم توضحها) تحول دون حصول النازحين على البطاقات الانتخابية الإلكترونية.
ولا يزال أكثر من مليوني نازح يتواجدون في مخيمات النزوح منذ تحرير مناطقهم من سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» شمالي وغربي البلاد نهاية العام الماضي، وفق وزارة الهجرة والمهجرين العراقية.
ويتنافس في الانتخابات المرتقبة 7376 مرشحًا يمثلون 320 حزبًا وائتلافًا وقائمة على 328 مقعدًا في البرلمان، الذي يتولى انتخاب رئيسي الوزراء والجمهورية.
ويحق لـ 24 مليون عراقي الإدلاء بأصواتهم، من أصل 37 مليون نسمة إجمالي عدد السكان.
وتعد الانتخابات الحالية الأولى في البلاد بعد هزيمة تنظيم «الدولة»، والثانية منذ الانسحاب العسكري الأمريكي من البلاد عام 2011.