«عدوّ عدوّي صديقي».. كيف أدّت سياسات ترامب إلى تقوية علاقة الصين وإيران؟

1

شكّل تنامي العلاقة بين الصين وإيران على المستوى السياسيّ والعسكريّ فى السنوات الأخيرة ظاهرة تستحقّ إلقاء الضوء عليها، خصوصًا في ظلّ سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العدائية لكلا البلدين؛ وهو ما أدّى إلى تمتين أواصر التحالف بينهما، في ظلّ الرغبة المتزايدة من جانب بكين في مزاحمة أمريكا على النفوذ داخل منطقة الخليج.

يحاول التقرير التالي رسم مُحدّدات العلاقة بين الجانبين، وآثار هذه العلاقة على خريطة النفوذ السياسي داخل منطقة الخليج، بالإضافة إلى العوامل الّتي أدّت إلى هذا التقارب بين الجانبين، حتى باتت العلاقة أشبه بتحالف استراتيجي في نظر الكثيرين.

ترامب يضيّق الخناق على الصين.. ويُعلن حربًا على إيران
فى 25 ديسمبر (كانون الأول) 2016، نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مجموعة من التغريدات عبر حسابه على «تويتر»، انتقد فيها سياسات الصين النقدية وعمليّاتها في بحر جنوب الصين، وقد كانت هذه التغريدات إيذانًا بحملة تصعيد ضدّها. لم تكن هذه التغريدات سوى حجر الأساس لاستراتيجية جديدة للرئيس الأمريكي نحو سياسة أكثر عدائية تجاه التنين الصيني؛ خصوصًا بعدما وصفها في خطابٍ رسميّ في 19 ديسمبر 2017، بأنها إلى جانب روسيا «أبرز تهديدين أمام المصالح الاقتصادية الأمريكية».

كان التجلّي الأبرز لهذه السياسة العدائية في الاتصال الهاتفي الذي أجراه ترامب فى 2 ديسمبر 2016 مع رئيسة تايوان، تساي إينج-وين، ليخرق بذلك سياسة تنتهجها الولايات المتحدة منذ عام 1979 عندما قطعت واشنطن العلاقات الرسمية مع تايبيه، خصوصًا أن الصين تعتبر تايوان إقليما منشقًا.

وأدَّى هذا الاتصال إلى توتر بالغ بين أمريكا والصين؛ إذ قالت وزارة الخارجية الصينية إنها تقدمت باحتجاجٍ «شديد اللهجة» لدى السلطات المعنيّة في واشنطن بشأن اتصال الرئيس المنتخب للولايات المتحدة دونالد ترامب برئيسة تايوان. امتدت هذه الانتقادات للحد الذي جعل ترامب ينتقد سياسات الصين في عدم تقديم المُساعدة في السيطرة على تصرفات كوريا الشمالية؛ إذ قال في تغريدته: «تأخذ الصين مبالغ طائلة وتجني ثراء فاحشًا من الولايات المتحدة في تبادل تجاري أُحاديّ الجانب بشكل مطلق، ولكنها لا تساعد فيما يتعلق بكوريا الشمالية. شيء جميل حقًا!».

كما أخذ التوتر في العلاقة بين الجانبين بعدًا اقتصاديًا أيضًا، والذي تمثّل في فرض حزمة جديدة من التعريفات الجمركية على الواردات من الصين بلغت قيمتها نحو 60 مليار دولار، وتحديد الاستثمارات فيها، واجهته الصين بفرض 25% رسومًا جمركيّة على 105 بضائع أمريكية، خصوصًا بعدما صعَّدت أمريكا، ونشرت واشنطن قائمة بنحو 1300 منتج صيني تعتزم فرض جمارك إضافية عليه.

أخذت هذه السياسة العدائية صورة أكثر وضوحًا في تعامل ترامب مع إيران؛ عبر إطلاق تصريحات تصفها بالدولة الإرهابية، وإطلاق وعود بإعادة النظر في الاتفاق النووي الإيراني، والتلميح بشكلٍ دائم بخيار حرب شاملة تجاهها، وتصميم استراتيجية جديدة للتعامل معها تعتمد على فرض عقوبات إضافية عليها، ونزع السلاح النووي، وحصار نفوذها بمنطقة الشرق الأوسط.

كيف انعكست سياسات ترامب على تعزيز التعاون بين الصين وإيران؟
بالتزامن مع هذه السياسة العدائية من جانب ترامب لكُلٍّ من الصين وإيران، ومساعيه الرامية لعزلهما سياسيًّا واقتصاديًّا؛ سعت الدولتان لتعزيز أواصر التحالف بينهما، ومدّ قنواتٍ جديدة للتعاون الذي لم ينقطع يومًا، في محاولةٍ للعب دورٍ إقليميٍّ يزاحم النفوذ الأمريكي، خصوصًا بمنطقة الشرق الأوسط.

كانت أولى هذه الانعكاسات قد تمثَّلت في تعزيز التواصل بين الجانبين عبر اتصالاتٍ هاتفية لتبادل وجهات نظر مُشتركة حول قضايا الشرق الأوسط، وذلك في فبراير (شباط) 2018، وهو التوقيت الذى أعقب توصيف ترامب في خطابٍ رسميّ في 19 ديسمبر 2017 للصين إلى جانب روسيا أنهما أبرز تهديدين أمام المصالح الاقتصادية الأمريكية.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

سبق هذا التواصل الهاتفي محادثاتٍ بين الجانب الصيني والإيراني على مستوى وزراء الخارجية فى أبريل (نيسان) 2017، إذ بحث وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، الأزمة السورية، والوضع في شبه الجزيرة الكورية. تزامن هذا التنسيق بين البلدين فى قضيتيّ الأزمة السورية والوضع فى شبه الجزيرة الكورية مع هجوم لترامب على إيران في مؤتمرٍ صحافي في البيت الأبيض بحضور رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني، وذلك في شهر أبريل 2017؛ إذ قال: «إيران لا تحترم (روح) الاتفاق الموقَّع عام 2015 مع القوى العظمى حول برنامجها النووي، الذي أدى إلى تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على هذا البلد».

الشهر نفسه شهد تقاربًا بين البلدين على مستوىً جديد؛ إذ وقَّعت الصين وإيران أوّل عقدٍ تجاريٍّ لإعادة تصميم وتجديد مُفاعل آراك لإنتاج المياه الثقيلة في فيينا، فى خطوةٍ مهمَّة نحو تطوير المفاعل للاستفادة منه فى توليد الطاقة، وفقًا لوكالة شينخوا الصينية الرسمية. ولم يكن محلَّ صدفة وسط دعوات ترامب لكُل القوى الدولية لمقاطعة إيران والتحريض عليها أن تعلن هيئة الجمارك الإيرانية في 31 ديسمبر لعام 2017 أن حجم صادرات إيران من المنتجات غير النفطية بلغ خلال الأشهر التسعة الأخيرة 31.63 مليار دولار.

وأوضحت أنّ إجمالي حجم الصادرات الإيرانية إلى الصين ارتفع بنسبة 12.78%، خلال الفترة ما بين مارس (آذار) وديسمبر 2017، موضّحة أن الصين هي التي تصدّرت التبادل التجاري بين البلدين. ولم يتأثر هذا التعاون بين الجانبين في عام 2018، العام نفسه الذي شهد تصعيدًا من ترامب تجاه الصين حول فرض حزمة جديدة من التعريفات الجمركية على الواردات من الصين، وصلت قيمتها نحو 60 مليار دولار، وتحديد الاستثمارات فيها، ردًا على ما تراه واشنطن سنوات من انتهاك الملكية الفكرية، وسرقة التكنولوجيا من الشركات الأمريكية.

وشهد شهر يناير (كانون الثاني) 2018 دفاعًا صينيًا وتعهّدًا رسميًا بمواصلة لعب دور بنَّاء لدعم وتنفيذ اتفاق إيران النووي، على خلاف التصريحات الأمريكية الرسمية التى ذهبت لنقض الاتفاق. كما شهد نهاية الشهر انعقاد منتدى الفرص التجارية والاستثمارية بين إيران والصين، والذي أعلن فيه رئيس غرفة التجارة الإيرانية الصينية المشتركة أن التبادل التجاري البيني لامس 40 مليار دولار في عام 2017، ومن المستهدف وصوله لـ50 مليار دولار في عام 2018.

كيف تحولت الصين إلى واجهة إيران المُفضلة لشراء الأسلحة؟
إحدى العوامل التي رسّخت العلاقات بين الصين وإيران بشكلٍ أكبر، هو تحوّل الأخير لأحد أكبر مستوردي السلاح من الصين، جنبًا للنفوذ السياسي والعسكري المتنامي لطهران فى الشرق الأوسط، وهي المسألة التى تعاملت معها بكين بشكلٍ برجماتي؛ إذ رأت في توطيد علاقاتها مع إيران خصمًا لنفوذ أمريكا، ومزاحمةً لأدوارها في منطقة الخليج.

الرئيس الإيراني مع نظيره الصيني

وقد أخذت العلاقات بين البلدين شكل التحالف الاستراتيجي منذ عشرات السنوات، وتحديدًا في عام 1986، حين قدّمت الصين صواريخ من طراز كروز مضادّة، للسفن الإيرانية سنة 1986، تلاها بعامين موافقة الصين على تأمين التكنولوجيا المطلوبة لتطوير طهران نماذجها الخاصّة من صواريخ أرض – أرض، وتواصلت بعد ذلك إمدادات الصين العسكرية لإيران حتى بلغت قيمة التعاون العسكريّ بين الطرفين مليار دولار بين عامي 1993 و2000، قبل أن تشهد انخفاضًا ملحوظًا على إثر العقوبات الغربية على إيران؛ لتعاود الصعود من جديد قبل عامين.

إذ تطورت العلاقات العسكرية بين البلدين من جديد، وأخذت الزيارات والوفود العسكرية بين الصين وإيران تتوالى، فيوقّعان أثناءها الاتفاقيات، ويستعرضان حجم التعاون العسكري بينهما. ففي أكتوبر (تشرين الأوّل) 2015 وقّعت شركة الدفاع الإلكتروني الإيرانية «صا إيران» عقدًا مع عددٍ من الشركات الصينية، يقضي باستخدام نظام «بايدو-2» للملاحة بالأقمار الصناعية الخاص بها لأغراضٍ عسكرية، وهي الإشارات التي ساهمت بشكلٍ ملحوظ في تحسين استخدام إيران للملاحة بالأقمار الصناعية في صواريخها والطائرات بدون طيار.

كان هذا التطوُّر بين البلدين أكثر وضوحًا حين وقّع وزيرا الدفاع في البلدين بنهاية عام 2016 اتفاقًا من أجل تعزيز التعاون العسكري في عدد من المجالات، من بينها التدريبات المشتركة وعمليات مكافحة الإرهاب وتطوير التعاون الدفاعي والعسكري، وتبادل الخبرات في المجالات العسكرية، بما في ذلك التدريبات، ومواجهة الإرهاب، وعوامل زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.

وحسب تقرير صادر عن لجنة أبحاث الكونجرس الأمريكي حول مصادر تسليح إيران، فقد «شكّلت إيران سوقًا مهمّة لتصدّر الصين أسلحتها إليها بعدما دخلت الثانية في عصر تطوير صناعتها العسكريّة. واستفادت طهران من علاقتها العسكريّة مع بكين، خصوصًا خلال حربها مع العراق وبطريقةٍ مباشرة».

عزز من أهمية العلاقات العسكرية الزيارات المتواصلة لقادةٍ عسكريين بين بكين وطهران، كان من أبرزها زيارة قائد القوة البحرية الإيرانية الأدميرال حبيب الله سيّاري للصين في أكتوبر 2014 لطلب المساعدة في ترميم أساطيل النقل البري والغواصات الخاصة بالجمهورية الإسلامية وتحديثها، ونقل رغبة بلاده في شراء مجموعةٍ كبيرة من المعدات البحرية الصينية، بما فيها الفرقاطات والغواصات والصواريخ.

وتسعى إيران لتسخير هذا التحالف العسكري بين بكين وطهران للحصول على تقنيات عسكرية متطورة، والتي تُحقق لها سيطرة ونفوذًا عسكريًّا في المنطقة، وبالأخص بعد الحصول على الجيل الثالث من الطائرات الصينية المقاتلة من طراز «تشنغدو جيه -10». وكذلك الرادارات المحمولة جوًا، وإلكترونيات الطيران لتجهيز التصميمات المستقبلية الخاصة بها.

إيران.. البوابة الخلفيَّة للتنين الصيني لدول الخليج
شكَّلت إيران بوابة العبور للصين لتوسيع نفوذها فى الخليج، سواءً كان هذا النفوذ عسكريًا أو اقتصاديًا؛ محاولةً بذلك مزاحمة الخصم الأمريكي الذي سعي للتضييق علي هذه المحاولات الدائمة من جانب الصين. بدأت أولى هذه المحاولات في سبتمبر (أيلول) 2010؛ حين وقّع وزير السكك الحديدية الصيني ليو زيجون مع وزير المواصلات الإيراني حميد بهبهاني في طهران، اتفاقًا لإقامة خطّ سكك حديد في غرب إيران، بتكلفة قُدرت بنحو 2 مليار دولار، كجزءٍ من خطّ سكك حديد يربط العاصمة الصينية بكين بالشرق الأوسط عبر إيران، يصل العاصمة الإيرانية طهران بمدينة خسروي على الحدود مع العراق، ويمر عبر مدن آراك وهمدان وكرمنشاه.

في العامين الأخيرين أخذت هذه المحاولات أبعادًا أكثر استراتيجية بين الصين وإيران، وتضمَّنت توسيع النفوذ العسكريّ للصين في الخليج عن طريق إيران. وتجلّى ذلك في تسريبات معلومات حول استخدام الصين للقواعد الجوية الإيرانية ومرافق القوات البحرية في منطقة الخليج، فضلًا عن تبادل الخبرات العسكرية المكتسبة كمعبر للتنين الصيني لتوسيع نفوذه العسكري في الخليج، ومزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية.

الرئيسان الصيني والإيراني

وفقاً للبروفسور في مدرسة سام نان للشؤون الدوليّة ضمن معهد جورجيا الأمريكيّ للتكنولوجيا؛ فإنّ تاريخ إيران في العداء لواشنطن هو «ورقة قوّة محتملة». تستخدمها بكين في حال تدهور العلاقات الصينيّة الأمريكية. وأشار في دراسة نشرها «معهد الشرق الأوسط» الأمريكي ومقره واشنطن «أنّ التعاون العسكري الإيراني الصيني أثمر اكتساب طهران صواريخ أرض – أرض وأرض – بحر، إضافة إلى الألغام البحريّة. وتمّ استخدام العديد من هذه الأسلحة لمواجهة الأنظمة العسكريّة التي يتمتّع بها الجيش الأمريكيّ في الخليج».

تشكَّل هذا النفوذ الصيني العسكري في منطقة الشرق الأوسط عبر استخدام محركاته العسكرية نحو الخليج، وبالأخص لدعم النظام السوري عبر إيران؛ ففي سبتمبر لعام 2014 جري تسيير سفينتيْن تابعتيْن للبحرية الصينية، هما: مدمرة الصواريخ «تشانغتشون»، وفرقاطة الصواريخ «تشانغتشو»، إلى ميناء بندر عباس الإيراني في سبتمبر لعام 2014، والبدء في تدريبات مشتركة مع القوات البحرية الإيرانية دامت أربعة أيام.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التى تحركت فيها مركبات عسكرية صينية تجاه إيران؛ ففي أواخر عام 2010 قامت طائرات صينية بالتزوّد بالوقود في إيران في طريقها إلى تدريبات في تركيا، واعتبرت تلك أوّل زيارة تقوم بها طائرات حربية أجنبية لإيران منذ ثورة عام 1979.

كان المُحدد الرئيس للصين في الشروع نحو تشكيل نفوذ عسكري في الخليج، هو استغلال واشنطن وجودها العسكري الأمريكيّ في شرق آسيا، لمحاولة فرض طوق نفوذ على الشواطئ الصينيّة، وهو الأمر الذى سعت الصين لمواجهته عبر تقوية علاقاتها بإيران بأكثر من وسيلة عسكرية واقتصادية.

ورسم الموقف الصيني من الاتفاق النووي الإيرانيّ ملمحًا رئيسًا عن تفضيل الصين لإيران حليفًا على حساب الدول الخليجية الأخرى التي أصدرت بيانات تنزعج فيها من هذه الاتفاقية، وهو الأمر الذى لم يكن على هوى التنين الصيني الذي صدر عنه بيان رسميّ يُرحب فيه بالاتفاق النووي، ويؤكد أن إيران لعبت يومًا دورًا محوريًّا في طريق الحرير التجاري القديم الذي كان يربط أوروبا بالشرق الأقصى.

كما كان الرئيس الصيني شي جين بينغ، الرئيس الأوّل من بين مجموعة الدول الست، الذي يزور طهران بعد الاتفاق النووي، ويلتقي مرشد الجمهوريّة في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي. وهى الزيارة التى علق عليها خامنئي: «إنّ إيران لن تنسى تعاون الصين معها خلال العقوبات الدوليّة عليها»، مضيفًا أنّ «إيران تميل دائمًا نحو الشرق، وأنّ الغرب لم يستطع يومًا كسب ثقة الشعب الإيرانيّ».

بكين وطهران.. رؤى متشابهة في الصراعات الإقليمية
يعزز العلاقة الثنائية بين الصين وإيران تقاطع مواقفهما السياسية تجاه عدد من القضايا الإقليمية؛ وتأتي على رأسها الأزمة السورية؛ فكلاهما يدعمان بقاء نظام بشار الأسد من خلال المساندة العسكرية والماليّة للحيلولة دون تغييره أمام الرغبة الأمريكية المترددة الساعية لعزله .

في سبيل ذلك استخدمت الصين حق النقض في مجلس الأمن الدولي ضد ثلاثة قرارات أدانت نظام بشار الأسد في سوريا، وسط معلوماتٍ مُسربة عن دعمٍ عسكريّ وماليّ مستمر لنظام بشار الأسد من جانب الصين؛ للحيلولة دون سقوطه، إذ شارك نحو 5 آلاف من مقاتلي جيش التحرير الشعبي الصيني في سوريا، لاختبار تقنياته العسكرية، ودعم نظام الأسد. يعزز هذه المعلومات حديث تلفزيوني سابق للرئيس السوري بشار الأسد حول جهود إعمار سوريا، قائلًا: «بدعمٍ من أصدقائنا روسيا والصين وإيران وهناك العديد من البلدان الأخرى بدأت بمناقشة إعادة إعمار سوريا، وستقدم المساعدة من خلال مواردها المالية. هناك العديد من الموارد لإعادة بناء سوريا».

ومثّلت كذلك مواقف كلا البلدين تجاه روسيا معبرًا رئيسًا نحو تمتين العلاقات بينهما؛ فإيران باتت ورقة روسيا الرابحة في أكثر من نزاعٍ خليجيّ، ووسّعت معها اتفاقيات تعاون كثيرة في ظل الضغوط الأمريكية، وهو الأمر نفسه الذي سرى على العلاقة بين الصين وروسيا مؤخرًا، بعدما زار وزير الخارجية الصيني روسيا في الأسابيع الماضية، وأكد على أنّ «العلاقات بين موسكو وبكين وصلت إلى أفضل مستوى على مدار التاريخ»، وذلك كردّ فعل على قرارات ترامب بشأن الإجراءات التجارية مع الصين.

يُعزز كذلك من هذه العلاقة بين إيران والصين تشابه مواقفهما تجاه الملف اليمني والعراقيّ، خصوصًا في ظل الرغبة المتزايدة للتنين الصيني على خلق نفوذ سياسي داخل منطقة الخليج، ومعارضة كلتا الدولتين السياسة الأحادية الأمريكية والهيمنة الأمريكية، في ظل التوتر الملحوظ بين أمريكا والبلدين الشهور الأخيرة.

وفقًا لمقالة رأي منشور بجريدة «وول ستريت جورنال»، فإيران «هي الدولة الوحيدة المطلة على الخليج وغير المتحالفة مع واشنطن، الأمر الذي يُعدّ مكسبًا استراتيجيًا للصين، وخصوصًا لـ«جيش التحرير الشعبي» الصيني الذين يعتبرون الولايات المتحدة خصم الصين الأكثر احتمالًا».

هل تُفضِّل الصين إيران حليفًا في الخليج على حساب السعودية؟
جنبًا إلى إيران تتمتع الصين بعلاقات جيدة مع عددٍ من دول الخليج على رأسها السعودية؛ فهي أكبر شريك تجاري للمملكة، بعدما وصل حجم التجارة البينية بين البلدين نحو 42.4 مليار دولار في 2016، فضلًا عن كون السعودية هي أكبر مورِّد للبترول الخام للصين؛ لكن دائمًا ما تذهب تفضيلات بكين إلى طهران على حساب الرياض فى القضايا الاستراتيجية، ودعمها في عدد من المواقف على حساب الرياض كحليف استراتيجي موثوق منه.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان

يقف وراء هذا التفضيل مُحدّدات كثيرة؛ كسياسة المملكة في غرب آسيا وبالأخص موقفها في الأزمة السورية والعراقية واليمنية، وهي المواقف التي كانت تقف على النقيض تمامًا من السياسة الصينية التي تتقاطع في القضايا السابقة مع إيران، فضلًا عن كون الكثير من المدارس الوهابية في سينكيانغ (إقليم تركستان الشرقية)، التي تخضع للسيطرة العسكرية، تتلقى تمويلًا من السعودية، وهو الأمر الذي أدّى لتوتر كبير في السنوات الماضية بين البلدين.

ويُشكّل العامل الآخر، وهو الأكثر حسمًا فى عدم التلاقي الدائم بين البلدين، التحالف الاستراتيجي الأمريكي السعوديّ الذي تأسس منذ أربعينات القرن الماضي؛ فالتنازع الدائم بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، كون السعودية حليفة لأمريكا، وظلها في المنطقة؛ يجعل دخول الصين في تحالف استراتيجي معها محل شكوك كثيرة، بل مستحيلة.

فالسعودية هي الحليف التاريخي للولايات المتحدة الأمريكية التي انتقلت العلاقة معها خلال ولاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمرحلة جديدة انتقلت فيها المملكة من مجرد حليف إلى تابع يسترضي أمريكا بمليارات الدولارات مقابل القبول بالتغييرات في آل سعود، ورهن أي تدخل أمريكي في القضايا الإقليمية بأموال المملكة.

ويظل نمط هذه العلاقة أحد محددات تفضيلات الصين لإيران؛ خصوصًا بعدما جرى توقيع عقوبات اقتصادية ضد الصين، وذلك على خلفية القرارِ الذي أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض عقوبات ضد الصين تصل إلى 60 مليار دولار بتهمة سرقة تكنولوجيا الشركات الأمريكية، وهي المسألة التي أدت بدورها إلى إطلاق توقعات بحرب اقتصادية مقبلة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

وليس أدلّ على هذا التفضيل سوى مراجعة المواقف الصينية تجاه القضايا الإقليمية التي تقاطعت فيها مواقف السعودية وإيران؛ فالاتفاق النووي الإيراني الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة «5+1»؛ وأدّى إلى رفع العقوبات المفروضة على طهران منذ عقود، وسمح لها بتصدير واستيراد أسلحة، دعمته الصين، بل سعت للدفع به نحو الخروج، وهو الموقف الذي جاء على نقيض الموقف السعودي الذي سعت قيادته السياسية لعدم توقيع هذه الاتفاقية، ولا يزال ولي العهد السعودي ماضيًا في جهوده لدفع أمريكا والغرب لإعادة النظر في هذه الاتفاقية.

 

التعليقات معطلة.