بلال وهاب
في 12 أيار/مايو، يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس نواب جديد، يعقبه قيام المشرعين باختيار رئيس لمجلس النواب ورئيس للوزراء. وتأتي الانتخابات في أعقاب مرور أربع سنوات صعبة بالنسبة للعراق، تمثلت بسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»على ثلث البلاد في عام 2014، وبذل الأكراد ضغوطاً قوية من أجل الاستقلال في أيلول/سبتمبر الماضي.
وعلى الرغم من هذه الاضطرابات، كان العنف بين الأكراد والعرب ضئيلاً؛ وفي هذا الصدد، يأمل العديد من المنتصرين في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في تحويل انتصارهم في ساحة المعركة إلى أصوات، وأهمهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي يسعى إلى إعادة انتخابه وتمتعه بولاية أكثر قوة لحكم البلاد. وشكّلت الميليشيات الشيعية العديدة التي قاتلت تنظيم «داعش» ائتلافاً سياسياً من المتوقع أن يحقق نتائج طيبة. ومع ذلك، فإن التوقعات الانتخابية غير مؤكدة بالنسبة للأكراد، الذين أدى استفتاء استقلالهم وما تلاه من انتكاسات عسكرية وسياسية إلى إضعاف النوايا الحسنة التي اكتسبوها من خلال محاربتهم تنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال العراق.
وبالفعل، لا تزال الانقسامات العرقية الطائفية تلقي بظلالها على المشهد السياسي العراقي. ولكن الأمر الجدير بالاهتمام هو أن تعطش الجمهور للمساءلة قد تسبب في حدوث تجزؤ داخل كل مجموعة، تاركاً الطوائف الشيعية والسنية والكردية منقسمة داخلياً عشية الانتخابات. وقد يزيد ذلك من تعقيد عملية تشكيل الحكومة وتأخيرها.
محددات الانتخابات الناجحة
الأمن. على الرغم من تحسن الوضع الأمني في المدن العراقية بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، إلا أن تنظيم «الدولة الإسلامية» ما زال يشكل تهديداً، خاصة أنه ينتقل من كيان يسيطر على أراضي إلى تمرد في المناطق الحضرية. وكانت مراكز الاقتراع وموسم الانتخابات عموماً من بين الأهداف المفضلة للتنظيم على مر السنين.
الإقبال. يحق لنحو 18 مليون عراقي التصويت هذا العام، وسيتعين عليهم فرز حوالي 7000 مرشح لملء 329 مقعداً في مجلس النواب، يتم تخصيص ربعها (83) للنساء. وكمعدل، شارك 60٪ من الناخبين في الانتخابات السابقة، إلّا أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن المزيد من الناخبين يشعرون بخيبة أمل من طبقة سياسية لم تتمكن من تحقيق [عدد من] الشواغل الرئيسية مثل استحداث فرص عمل، وإجراء إصلاحات اقتصادية، والحد من الفساد. وعلى الرغم من إجراء تغييرات شكلية على أسماء الأحزاب والشعارات، إلا أن المنافسين الرئيسيين هم وجوه مألوفة. وفي إشارة إلى الاستياء العام، أصدر المرجع الديني الأكبر آية الله علي السيستاني فتوى تؤكد حق الناس في عدم التصويت إذا لم يتمكنوا من الارتباط بأيّ من المرشحين.
المشاركة السنية. كان الإقبال بين الأقلية السنية العراقية في عدة انتخابات سابقة منخفضاً دائماً، سواء كان ذلك بسبب المقاطعة أو انعدام الأمن. وهذا العام، شاركت الأحزاب السنية بفعالية في الحملة الانتخابية، لكن العديد من ناخبيها اضطروا إلى الفرار أثناء الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وما زالوا يعيشون في مخيمات للاجئين. وعلى الرغم من أن “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” في العراق قد التزمت بوضع صناديق اقتراع في هذه المخيمات، إلا أن المخاوف من انخفاض الإقبال بين السنّة ما زالت قائمة – لأسباب ليس أقلها توفير الأمن في العديد من هذه المناطق من قبل أفراد أكراد أو ميليشيات من «قوات الحشد الشعبي» التي تهيمن عليها الأغلبية الشيعية في البلاد.
الوحدة الكردية. أطلقت الأحزاب الكردية حملاتها الانتخابية وأَدارتها كما لو كانت انتخابات محلية – بدلاً من إعادة صياغة الموقف الموحد الذي ساعدها على تعظيم مكاسبها من بغداد سابقاً؛ وبدلاً من ذلك، ركزت على إخفاقات بعضها البعض. ونتيجة لذلك، سيخسر الأكراد بشكل جماعي بعض المقاعد في البرلمان، مما يقلل من نفوذهم في بغداد.
التغييرات في السيطرة المحلية. قد يكون الإقبال على التصويت ونتائجه في المناطق التي تَغَير المسؤولين عنها مؤخراً، أحد الاختبارات لتحديد ما إذا كانت الأقليات ستفقد نفوذها على الصعيد الوطني. ففي كركوك وسنجار، على سبيل المثال، حل الجيش و«قوات الحشد الشعبي» محل القوات الكردية رداً على استفتاء الاستقلال، في حين لا تزال العديد من المدن ومخيمات اللاجئين السنية تخضع لسيطرة وحدات «قوات الحشد الشعبي» الشيعية. وغالباً ما تؤدي مثل هذه السيطرة المحلية إلى الحصول على أصوات من خلال تمكين الإكراه والاستقطاب. وستكون خسائر الأحزاب الكردية أصواتاً مهمة في كركوك إشارة حمراء صارخة في هذا الصدد، وهو الأمر فيما يتعلق بتحقيق الأحزاب المرتبطة بـ «قوات الحشد الشعبي» مكاسب في المناطق السنية.
التزوير في الانتخابات. كانت الادعاءات وحالات التزوير قد طاردت جميع الانتخابات العراقية وأضعفتها، الأمر الذي ساهم في بعض الأحيان في انعدام ثقة الجمهور بالعملية الانتخابية، مما أدى إلى تأخير التصديق على النتائج (كما رأينا في إعادة فرز الأصوات عام 2010)، وإعاقة تشكيل الحكومة. وقد تم ترشيح أعضاء حاليين في “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” من قبل الأحزاب المشاركة في السلطة، وبالتالي فإن “المفوضية” ذات نكهة حزبية على الرغم من كونها تمثيلية. وبينما استثمرت “المفوضية” في الآونة الأخيرة في تقنية حديثة للتصويت التي يمكن أن تساعد في الحد من التزوير وإعلان النتائج بشكل أسرع، إلّا أنّ البعض يخشى من أن تؤدي بطاقات التسجيل التي لم يتم جمعها من قبل أصحابها إلى فتح الباب أمام أصوات خيالية، وخاصة من قبل الأحزاب المشاركة حالياً في الحكومة (على سبيل المثال، يمكن لبعض المسؤولين عمل هويات مزيفة لمطابقة بطاقات الناخبين التي لم يتم جمعها وإعطائها لعراقيين آخرين).
التدخل الإيراني. دائماً ما تكون رغبة طهران في تحديد نتائج الانتخابات العراقية أمراً مفروغاً منه، لكن من غير الواضح مدى شدة هذا التدخل هذه المرة. وفي ضوء الضغوط العديدة التي تتعرض لها إيران – بدءً من الضربات الإسرائيلية [على مواقعها] في سوريا وإلى تخلي الولايات المتحدة عن الاتفاقية النووية – قد يكون انتباه النظام مشتتاً للغاية إلى درجة قد لا يولي اهتماماً كاملاً للتصويت في العراق. وبدلاً من ذلك، يمكن أن يبقى سلبياً عن قصد، باعتماده على وكلائه المحليين في مختلف المؤسسات للتمتع بنفوذه في بغداد بينما يحاول إقناع الأوروبيين بأنه من الضروري مواصلة التعامل مع إيران. ولكن من الأرجح أن تتّبع طهران نهجاً مباشراً من خلال محاولتها لعب دور مفسد، وإصرارها على [تعيين] مرشحيها المفضلين لشغل المناصب العليا في الحكومة العراقية المقبلة. وعلى الرغم من أن هذا المسار قد يخاطر بالإضرار بسمعة إيران الدولية، إلّا أنّ طهران قد تعتبر أن العراق الحيادي سيشكل خطراً على الجمهورية الإسلامية إذا ما اندلعت حرب في المنطقة.
المصالح الأمريكية
لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بعراق قوي ومحايد وديمقراطي. وإذا وضعنا نتائج محددة جانباً، فلدى واشنطن مصلحة في أن تَجري البلاد انتخابات نزيهة تؤدي إلى تشكيل حكومة شاملة. ويدرك العراقيون، بمن فيهم أعضاء من «قوات الحشد الشعبي»، أن الدعم العسكري الأمريكي كان له دور أساسي في قدرتهم على إلحاق الهزيمة بتنظيم «الدولة الإسلامية»، لذا كان على واشنطن أن تذكرهم بهذه الحقيقة أثناء تقدمهم نحو الانتخابات وعليها الاستمرار بذلك في أعقابها – ومن الممكن أن يشمل ذلك أسابيع طويلة من الانتظار للنتائج النهائية وتشكيل الحكومة المقبلة. على نطاق أكثر اتساعاً، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين مواصلة الاهتمام الكامل بكل هذه العمليات، لأنهم سيحددون مسار العراق خلال السنوات الأربع القادمة