لا يمكن الاستخفاف بالملاحظات السياسية التي أدلى بها الأكاديمي والمعلق الإماراتي عبد الخالق عبد الله، التي تهدف عادة إلى التعبير عن رأي يتبناه محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، وقائد دولة الإمارات العربية المتحدة الفعلي المعروف الآن على نطاق واسع في الصحافة الدولية باسم MBZ.
في تغريدة أخيرة، نقل عبد الله إلى متابعيه الاستياء الذي شعر به محمد بن زايد تجاه نتائج الانتخابات الماليزية، التي خسر فيها تحالف باريسان القومي الحاكم من تحالف الأمل؛ مما أفقد نجيب رزاق منصبه رئيسًا للوزراء، لتشهد البلاد وصول مهاتير محمد البالغ من العمر 92 عامًا إلى السلطة مجددًا، الذي كان قد غيّر انتماءاته الحزبية في وقت سابق من هذا العام.
قال عبد الله في تغريدته: «هل خلت ماليزيا من حكماء وزعماء ورجال دولة وشباب كي تنتخب من بلغ 92 سنة من العمر، الذي انقلب فجأة على حزبه وحلفائه وعقد صفقة مشبوهة مع خصمه السياسي الذي سبق أن أودعه السجن بعد أن لفق ضده أشنع الاتهامات. السياسة عندما تكون لعنة والديمقراطية عندما تكون نقمة».
على الرغم من صعود العلاقة بين مهاتير محمد وأنور إبراهيم وهبطوها –وهو زعيم معارض حُكم عليه بالسجن مدة خمس سنوات في عام 2015 لاعتداء جنسي على أحد معاوناته السابقات؛ فيما قال إنها اتهامات ذات دوافع سياسية– فلا الأكاديمي الإماراتي، ولا رئيسه محمد بن زايد في أبوظبي يهتمان بالديمقراطية.
ففي نهاية المطاف، كانت الإمارات، بالتواطؤ مع السعودية، هي التي مولت الانقلاب العسكري الذي أطاح أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًّا في تاريخ مصر، محمد مرسي. ولا يمكن أن يكون العجوز مهاتير محمد مصدر قلق حقيقي لهم عندما لا يجرؤون إلا على المديح والثناء للملك المصاب بألزهايمر والشيخوخة في المملكة العربية السعودية المجاورة. فما الذي يزعجهم حقًّا من نتيجة الانتخابات الماليزية؟
سقوط حليف مقرب
لا شك أن مصدر القلق هو فقدان الحليف الوثيق رزاق، الذي اتهم بالفساد بسبب اختلاس الأموال بتواطؤ من كبار المسؤولين الإماراتيين والسعوديين.
في سلسلة وثائقية حديثة لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) من ثلاثة أجزاء بعنوان «بيت آل سعود: عائلة في حرب»، كشفت القناة أن رزاق تآمر مع الأمير السعودي، تركي بن عبد الله، ابن الملك السابق عبد الله، على اختلاس ما لا يقل عن 1.2 مليار دولار من الصندوق السيادي الوطني الماليزي.
وهذا المبلغ من المال، وفقًا للقصة التي سردها تحقيق «بي بي سي» الاستقصائي، أقرضته الحكومة الماليزية لشركة سعودية لم يُسمع بها من قبل اسمها «بترو سعودي». وفي غضون أيام، اختفت 700 مليون دولار من هذا المبلغ من الشركة، التي شارك في تأسيسها تركي. وقد ظهرت الشكوك في شهر مارس (آذار) من عام 2013، بعد أن تم تحويل مبلغ 681 مليون دولار إلى الحساب الشخصي لرزاق. وفي أبريل (نيسان) من عام 2016، ذكرت صحيفة «الجارديان» أن رزاق تلقى مبلغ 681 مليون دولار من المملكة العربية السعودية تبرعًا. وكان رزاق يواجه بالفعل مزاعم بالفساد، بعد أن تم اكتشاف التحويل قبل عام.
ووفقًا للصحيفة البريطانية، سُئل وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول إذا كان على علم بتفاصيل التبرع؛ فقال: «إنه تبرع حقيقي ولا يوجد شيء متوقع في المقابل». إن هذه سابقة لم يسمع بها أحد من قبل. فمن غير المتصور أن يُمنح رئيس وزراء منتخب لبلد ما مثل هذه الهدية المالية الكبيرة من دولة أخرى، وليس هناك شيء متوقع في المقابل.
بالعودة إلى الفيلم الوثائقي لـ«بي بي سي»، فعلى ما يبدو انتهى المطاف بكمية كبيرة من هذا المبلغ وغيره من الأموال المختلسة المزعومة في الولايات المتحدة؛ مما دفع مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى فتح تحقيق في ما وصفها بأنها أكبر عملية احتيال وسرقة حكومية في التاريخ.
وقد أفادت صحيفة وول ستريت جورنال في عددها الصادر 30 يونيو (حزيران) من عام 2017، بأن السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، كان متورطًا في الفضيحة التي تدور حول صندوق الاستثمار الماليزي الحكومي، فقد سُرق –وفقًا للتقرير– مبلغ يُقدر بـ4.5 مليار دولار.
أموال بلا مقابل؟
والآن بعد أن غادر رزاق السلطة، ومن المرجح أن تتم محاكمته، فإن أبوظبي والرياض لا بد وأنهما تخشيان، بالتأكيد، من احتمال أن تؤدي الهزيمة المذلّة لحليفهما في كوالالمبور إلى إجراء تحقيق أكثر شفافية في ما حدث بالضبط لكل تلك الملايين من الدولارات التي اختفت في ظروف غامضة بمساعدة الأمراء السعوديين والإماراتيين. وليس من الصعب تخمين ما كان سيناله رزاق من كل هذا، بالتأكيد المزيد من الأموال.
لكن ما الذي حصل عليه السعوديون والإماراتيون في المقابل؟ على الرغم من أن أناسًا مثل تركي والعتيبة كانوا يتوقون إلى زيادة ثرواتهم على حساب الشعب الماليزي، فلا بد أن قادة السعودية والإمارات قد وضعوا أعينهم على شيء آخر غير الأموال نفسها. لا بد أن يكون شيئًا أكبر بكثير يبرر صرف هذه المليارات. ونأمل ألا يستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى يعرف الشعب الماليزي وبقية العالم ما هو.