لمَ نخاف من الظلام؟

1

 
 
 
 
هل تشترط إضاءة الأنوار ليلاً في غرفة النوم المشتركة؟ هل تطْلب من أحدهم مرافقتك إلى المطبخ لإحضار بعض الماء في منتصف الليل إذا ما شعرت بالعطش؟ هل تلحظ تضخماً في أذنيك وتضاعفاً في نشاط حاسة السمع بعد مغيب الشمس؟ هل تتحول أحلام اليقظة خاصتك إلى كوابيس عندما يحلّ الظلام، فتتجمد أطرافك وتجحظ عيناك، ثم تتحركان يمنة ويسرة بحثاً عن مصدر الخطر؟
 
اذا كانت اجابتك على هذه الاسئلة هي “نعم”، فأنت شخص يخشى العتمة، وغالباً ما يسبب لك هذا الأمر حرجاً باعتبارك راشداً ولم تعد طفلاً.
 
 
 
لست وحدك
 
أنت على الأرجح سمعت أيضاً، وإلى جانب التعليقات الساخرة، أخرى متفهمة، كما لمست مشاركةً من قبل آخرين لنفس الهواجس والأعراض، ما يعني أنك لست وحيداً، وأن ما تشعر به له ما يُبرّره.
 
ففي أحد استطلاعات الرأي التي أجريت في المملكة المتحدة في العام 2012، أشار ما يقرب من 40% من الذين استطلعت آراؤهم إلى أنهم كانوا خائفين من التجول في المنزل عند انطفاء الأضواء، فيما أكد 10٪ منهم أنهم لن يخرجوا من السرير لاستخدام الحمام في منتصف الليل.
 
ما يراه الباحثون من جامعة تورنتو في هذا الشأن هو أن الخوف من الظلام رد فعل غريزي، لأنه “نوعٌ من الخوف المتواصل والهاجسي، والذي يشعر المرء بالخطر، بالقدر الذي يُبقيه متوتراً فقط”، وهذا بالضبط ما كان يحتاجه أسلافنا خلال مبيتهم في الغابات والبراري بالقرب من الحيوانات المفترسة، قبل تشييد البيوت واختراع الكهرباء. فهذا النوع من القلق هو الطريقة التي تصرفت بها أجسامهم لإبقائهم في حالة تأهب لإبعادهم عن أي خطر محدق.
 
 
خيال جامح
 
في الظلام يُعيد الخيال تشكيل الواقع، وملء قصور النظر باحتمالات عدة أغلبها “متطرف”. لذا يتحول ظل غير مفهوم إلى وحش، ويُحفّز السواد الذي يعمّ الأرجاء أفكاراً من اللون نفسه حول اللصوص العنيفين والقاتلين المأجورين، بالإضافة إلى الحشرات السامة، وفي بعض الأحيان “العفاريت”.
 
مدير مركز دراسات الطفل في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا، يقول في هذا الإطار إن “مخاوف الطفولة من الظلام تأتي من الخوف من “غير المتوقع”، لافتاً إلى أن “الأطفال يصدقون كل شيء يمكن تخيله.. ففي الظلام، قد يأتي اللصوص أو قد يتم اختطافهم، أو قد يأتي شخص ما ويأخذ ألعابهم بعيداً”.
ويضيف: “بعبارة أخرى، فإن عقولنا تساوي الظلام بالجانب المرعب من إمكانية غير محدودة”. والأمر نفسه ينطبق على الكبار. فهم لا يخافون من الظلام بذاته بل مما يخفيه الظلام. و”ما يزيد الطينة بلّة” هو قيام الخيال بتعويض نقص القدرة على الرؤية خلال الظلام باستحضار الأفكار المرعبة عن مصاصي الدماء والمجرمين والأشباح، بما يؤهبهم لمواجهة محتملة مع “الضيوف غير المرغوبين” دون أن يكون هناك أي احتمال لوجود خطر حقيقي.
 
ويؤكد الباحثون في جامعة تورنتو في كندا أن “هذا القلق يشبه نوعاً من المخاوف العالقة، التي تجعلنا على حافة الهاوية، ويبقي المرء على أصابع قدميه في حال احتاج إلى “القتال أو الهرب” بعيداً عن الخطر”.
 
إنكار
 
ويرفض علماء صينيون مقولة الخوف من الظلام، ويوضحون أن الإنسان في حقيقة الأمر “يخاف الليل”. وتقول كولين كارني، أستاذة علم النفس في جامعة رايرسون، أن بعض من يخشون الظلام لا يربطون شعورهم بالذعر ليلاً بخوفهم من العتمة، بل “يخطون خطوة إلى الأمام ويفترضون أن لديهم خوفا من اللصوص”، لافتةً إلى أنه يمكن علاج الخوف من الظلام من خلال العلاج بالتعرض، وأن المفتاح هو مجرد الاعتراف بحقيقة هذا الخوف أولاً.
آمنة منصور
 
 
 

التعليقات معطلة.