فاتن السامرائي
بعض التفاصيل الصغيرة، تعطي قيمة وروحانية لأشياء كبيرة، قد لا ننتبه لها إلا حين نفقدها، ما يحدث أن تلك التفاصيل تتطور بمرور الزمن وقد تتطور لدرجة أنها لا تشبه نسختها القديمة، ما يهم هو أن تحافظ على روحانيتها مهما تغير شكلها، مثلاً في شهر رمضان المبارك ربما قبل قرن منَ الآن لم يكن الأطفال يغنون “ماجينا يا ماجينا” لكن بالطبع كان لديهم شيء خاص لرمضان، كذا الآن لا أسمع الأطفال يغنون الماجينا إذ أصبحت لديهم أغانٍ جديدة لرمضان، لَـكِنْ شعورهم نحو رمضان لا أظنه يختلف كثيراً عن أي جيل قبلهم، لذا فروح رمضان تتجدد ولا تتلاشى.
الظروف التي تعايشنا عليها في الفترة الأخيرة، حقيقةً هي أكثر من مجرد حروب عسكرية، بل كان لها أهداف أخرى، فغزو الشعوب من قبل جماعات تدعي الإسلام، وأنها تريد تطبيقه وجعل دولنا إسلامية، وسفكهم الدماء وانتهاكهم الأعراض بهذه الحجة، يدعنا نتوقف قليلاً، لِمَ ذلك والآن؟ ربما لن يوافقني الكثير الرأي، ولكن ما يحدث هو استغلال لفترة البرود الديني التي نمر بها، المغريات والمُلهيات كَثُرت، الابتعاد عن الدين بات ملحوظاً، بسبب الأفكار الدخيلة، فما كان ينقص هو جرعة زائدة لكي تبثت الصورة المخيفة عن الدين، نحن ننشئ جيل دنيوي بحت، كما أسلفت المغريات في تزايد، والوقت يمضي بسرعة، فنجدنا منشغلين منهمكين في الحياة، نحاول أن نلحق ولكن علام؟ لٱ نعرف! نود أن نجرب كل جديد، وأن نواكب كل تطور، وهذا في تزايد غريب، الأمل متمحور في أن نحافظ على أصالتنا ونحن نفقد حريتنا التي نسعى خلفها، أجل إننا نلهث خلف حرية النفس، حرية الأوطان، لكن إلى الآن لم نعِ وبشكل كافٍِ أننا نسجن أنفسنا وأننا مقيدون وبقوة بلا أغلال، في دوامة العصر الحديث، الوقت ينفد بسرعة منا، رغم تسهيلات الحياة. إنها معادلة عجيبة! كمثال: سابقاً لم يكن لربة البيت كل تلك الأدوات التي تساعدها في المنزل لتنجز أعمالها أسرع! لكنها كانت تلحق على كل ذلك وتربي أولادها وتهذبهم وتراقب حياتهم. أما الآن فتكاد ربات البيوت لا تجد شيئاً لتفعله فهنالك كل شيء ليحضر كل شيء، ومع ذلك فالأمهات لا تجد وقتاً لتربي أولادها ولا لتكون سيدة بيت مثالية، لقد انجرفن في الدوامة أيضاً، سابقاً كانت الحياة أصعب بالنسبة لرب البيت، الأعمال محدودة، والأجر زهيد، والأشغال شاقة، لَـكنْ كانَتَ هيبته في المنزل كبيرة، ويملك الوقت الجيد ليمارس أبوته، والآن! هنالك في الوظيفة الواحدة ألف وظيفة، الأعمال كثيرة والأجور جيدة مقارنة بما مضى، والتكنولوجيا أصبحت يد الإنسان الثالثة التي تنجز معه أعماله، ومع ه̷̷َـذا لا يجد الأب وقتاً لأولاده، إنه يجري في تلك الدوامة أيضاً، إن جيلنا يتهشم ولنتخيل حجم الكارثة مع الأجيال القادمة، لا أتحدث هكذا كي أنشر السوداوية، أو أحطم أمال الأجيال، أو أمحو الأمل، بالطبع لا. ولكننا حقاً نحتاج لأن نعود لأنفسنا، فما يزال هنالك وقت، أدعو كل أم وأب أن يعوا تلك المسؤولية العظيمة، أدعوهم ألا ينسوا تنشئة جيل في خضم انشغالاتهم الدنيوية، كل جيل مسؤول عن تصرفات الجيل الذي يأتي بعده، فهو من يصنعه، دعونا لا نَضيع أكثر، علموا أولادكم كلما تستطيعون أن تعلموهم إياه.
هذه أيام جميلة أيام رمضان فرصة رائعة لإعادة إحياء ما مات فينا كمسلمين بشكل عام، لقد كبرنا على حب رمضان، واستغلاله في العبادة وتراضي القلوب والمحبة، هل تفعلون الشيء عينه الآن في ظل هذه الحياة السريعة ومع أولادكم، وإن لم تملكوا أولاد هل ستفعلون مستقبلاً؟ أرجوكم أن لا تهملوا ذلك، فإنه ولبساطته عظيم، فلتزرعوا حب رمضان في أنفسكم كما كنتم اطفالاً، بنفس اللهفة والحب، وأنقلوا تلك العدوى لمن حولكم، إنها عدوى جميلة، إفعلوا ذلك كي لا نفقد حلاوة رمضان، كي لا تشغلنا الحياة أكثر حتى عن أجمل وأعمق شهر في السنة كلها، إكسر قيودك وإرمها بعيداً، فأنا اعرف أنك محتاج إلى •اللّـہ̣̥، سنة كاملة وأنت لا تملك الوقت حتى لنفسك وتبعدك المشاغل عن •اللّـہ̣̥، فيردك إليه رداً جميلاً، إنه يدعوك أن تطهر روحك من عذابات الحياة وصراعات البقاء، شهراً واحداً، تجدد فِيه نفسك لتعود بعده أقوى، ومن ثم ستتمنى لو تكون كل حياتك رمضان. نحن نفتقد لذة رمضان لم نعد نفهمها كما كان أباؤنا، رمضان أعمق من معدة فارغة، لأنه ترك الإنشغال بالمعدة وملئ للعقول وتنوير لها، أجل إنه كذلك وأكثر.