تحولت ساحة المنصة الواقعة في مدينة الموصل شمال العراق منذ استعادة المدينة من أيدي تنظيم الدولة الإسلامية قبل نحو عام، إلى موقع تجمع كل جمعة لسيدات يبحثن عن مصير مفقودين من عائلاتهن.
نساء يرتدين ملابس سوداء ويرافقهن أطفالهن وبعض الرجال ويحملن صور “مفقودين” ، في مشهد يذكر ب”أمهات ميدان مايو” اللواتي فقدن أطفالهن في عهد الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين (1976- 1983).
حاولن الاقتراب من رئيس الوزراء المنتهية ولايته حيدر العبادي عند زيارته الموصل في مارس لكن عناصر حمايته حالوا دون ذلك.
لكل واحدة منهن مأساة، بينهن شيماء محمد التي تعيش مع أبنائها الستة على أمل العثور على زوجها علي أحمد الذي خطفه تنظيم الدولة الإسلامية بعد اقتحام منزلها في 25 نوفمبر 2016، وعثرت عليه قوات الأمن داخل سجن خلال معارك “تحرير” المدينة.
أحمد الذي كان شرطيا وأصبح اليوم في الأربعينات من العمر، لا يختلف حاله عن آلاف العراقيين خصوصا ممن كانوا عناصر في قوات الأمن اعتقلوا من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل التي أعلنها الجهاديون “عاصمة” ما يسمى “بدولة الخلافة” على مدى ثلاث سنوات.
وقالت شيماء (38 عاما) التي ترتدي حجابا أسود ورداء طويل من ذات اللون وهي متجهة إلى ساحة المنصة، لقد “اعتقل زوجي (…) واحتجز مع آخرين واستخدموا كدروع بشرية خلال المعارك في غرب الموصل”.
وأضافت فيما اغرورقت عيناها بالدموع بقناعة كاملة أن “قوات الأمن اعتقلته لأنه لم يكن يحمل أي وثائق وكانت لحيته طويلة بسبب اعتقاله لفترة طويلة لدى داعش”.
مقابر جماعية
لم يصل شيماء أي تبليغ رسمي حول مصير زوجها، لكنها أكدت بأنها “حصلت على معلومات تشير إلى أنه معتقل في مطار المثنى” في بغداد حيث يعتقل عدد كبير من المشتبه بتورطهم بـ”الإرهاب”.
وأكدت مصادر أمنية عدم صحة هذه المعلومات وبأنهم ابلغوا جميع عائلات معتقلي الموصل.
من جانبه، قال القاضي عبد الستار بيرقدار المتحدث الرسمي لمجلس القضاء الأعلى في بيان أن “مضي سنتين على الفقدان في حوادث الأعمال الإرهابية وإذا لم يعرف مصير المفقود خلالها يعد سببا كافيا للحكم بوفاة المفقود”.
ويقول سامي فيصل مسؤول منظمة لحقوق الإنسان في محافظة نينوى، كبرى منها الموصل، إن “عددا كبيرا من المفقودين أعدمهم داعش ورمى بجثثهم في حفرة الخسفة” الواقعة إلى الجنوب من الموصل.
ويرجح أن يكون موقع حفرة “الخسفة” السيء الصيت عبارة عن منخفض كبير ناجم عن احدى الظواهر الطبيعية ويعتقد الناس بأنه حدث جراء سقوط نيزك في ذلك المكان الذي يعد أحد أكبر المقابر الجماعية في العراق واستخدمه الجهاديون لتنفيذ الإعدامات.
وأضاف فيصل إنه وفقا لمعلومات قدمتها عائلات، هناك “1820 شخصا مفقودا ،من كلا الجنسين ومن مختلف الشرائح الاجتماعية من عسكريين وموظفين وصحافيين وناشطين وغيرهم”، مشيرا إلى إنه من المستحيل معرفة عدد الذين ما زالوا على قيد الحياة .
وقال انه بالإضافة إلى هؤلاء “هناك ثلاثة آلاف و 111 إيزيديا مفقودا، نساء ورجال”، فيما عاد بعضهم إلى عائلاتهم بعد سنوات من العبودية وسوء المعاملة.
بدورها، تعيش أم عبد الله خوفا متواصلا مما قد يحدث لابنها إذا كان على قيد الحياة، لان الجهاديين أجبروه وسجناء آخرين من عناصر الآمن على إعلان الولاء لتنظيم الدولة الإسلامية الذي يعتبر تنظيما “إرهابيا” في العراق.
ألم مضاعف
ترى أم عبد الله (80 عاما)، بان ما يحدث للمفقودين عقاب قائلة، “اليوم، وبدلا من أطلاق سراحهم وتعويضهم عما لحق بهم يستمر حبسهم، وربما ستلفق لهم تهم الانتماء للإرهاب ويعاقبون عليها”.
كثير من المفقودين، كانوا عناصر في قوات الأمن أو موظفين حكوميين ويعتبرهم الجهاديون في كلا الحالتين موالين حكومة “كفر” كونهم ينتمون لحكومة شيعية.
والتقى أولياء هؤلاء المفقودين مع كثير من المسؤولين المحليين، كما ناشد نواب في البرلمان الجهات الحكومية للتدخل لمعرفة مصير هؤلاء، حسبما ذكر أبو لؤي.
وأكد هذا الرجل العاطل عن العمل (56 عاما) أنه يقضي كل وقته تقريبا في البحث عن ولديه اللذان اختطفا في الرابع من أكتوبر 2016، من داخل منزلهم على يد جهاديين مع “14 رجلا من نفس العائلة”.
ولم يعرف أبو لؤي منذ ذلك اليوم ، مصير ولديه لؤي وقصي وبات الآن مسؤولا عن تربية طفليهما، احدهما من ذوي الاحتياجات الخاصة والآخر يرفض الكلام منذ رؤية مشهد اختطاف والده.
وذكر هذا الرجل بأنه بعد أشهر طويلة من البحث والتحقق “تأكدنا أنهم أحياء ومعتقلون لدى القوات الأمنية” وتابع “لا أدري حتى لماذا اعتقلوا”.
وتعيش أم لؤي (52 عاما) وسط حزن ودموع لا تنقطع وهي ترتدي عباءة سوداء مفترشة ارض منزلها الصغير في حي النبي يونس التاريخي وسط الموصل، بانتظار أي أخبار عن أبنائها الذين لم يبق منهم سوى صور وذكريات.