وليد الزبيدي
هل ساهم تعدد مصادر الأخبار في تقليل التشويش والضبابية التي تصيب المتلقي وعموم مستهلكي الأخبار ؟ وهل تراجعت نسبة الصدقية رغم كثرة الوسائل التي تتصدى للخبر الواحد ولجميع الوقائع التي تحصل في الساحة المحلية لكل بلد والوقائع والأحداث التي تجري في مختلف ارجاء العالم؟
سبق وتناولنا معضلة التوثيق للوقائع خلال حقب وأزمنة مختلفة ، وأشرنا إلى أن معضلة حقبة الرواية الشفاهية للوقائع قد شابها الكثير لصعوبة التأكد من القصة- الرواية للحدث الواحد بسبب تعدد مصادر الرواية وتضارب المصالح والتوجهات، وعند بزوغ عصر التدوين برزت معضلة اخرى تمثلت في اعتماد الرواية الموثقة والسير في مساربها بسبب كونها ” وثيقة” مكتوبة وفي الاغلب تندرج تحت مسمى لمؤرخ أو عالم ، وهذا الأمر له إيجابياته وسلبياته ايضا.
وفي عصر تعدد المصادر التي تتداول الخبر الواحد وتقدمه باعتباره وجبة طازجة وجاهزة لمتابعيها ومريديها، فقد ازدادت الخطورة في هذا الموضوع، وبتقديري تبقى حقبة الاعتماد على الوكالات العالمية هي الافضل في تاريخ نقل الأخبار، رغم معرفتنا بحجم التسييس والانحياز في نقل الأخبار، كما أن تلك الوكالات تظل تسير تحت مظلة خفية ومعلنة ، لكن يمكن القول، أن أخبارا كثيرة تٌعطى الحجم الأكبر من الدقة في النقل إلا تلك التي ترتبط بصورة أو باخرى بمصالح دولية عليا تتأثر بها سياسة هذه الوكالة أو تلك ، وبقي الانطباع العام أن الوكالات العالمية الكبرى تحرص على سمعتها من خلال دقتها في نقل الأخبار والتدقيق بقصصها الخبرية .
المنعطف الأخطر على هذا الصعيد حصل مع دخول عصر الإعلام الذي يقع خارج السيطرة، ويشمل ذلك فضائيات تتبع جهات عديدة وأحزاب ومنظمات معروفة وخفية، وأصبح نقل الخبر يسير حسب المزاج والتوجه الذي تريده الجهة الإعلامية ، والاخطر في كل ذلك وجود ” كوادر مدربة” مهمتها التلاعب بالصياغات وتقديم القصة الخبرية بطريقة تبدو طبيعية في ظاهرها، لكنها في الواقع لا تمت إلى الواقع بصلة لا من قريب ولا من بعيد ، وقد يكتشف البعض هذا النوع من اللعب والتضليل الذي يمارس على المتلقي الذي يستهلك كميات كبيرة من الأخبار والتحليلات في كل يوم ، وبدون شك تكمن خطورة ذلك في مسألتين رئيسيتين، هما:
الاولى: أن المرء المستهلك للأخبار لا يختلف عن تناوله للاطعمة والمشروبات ، بل إن الأخبار اخطر واعتى بكثير من تلك التي يتناولها الجسم من ماكولات ومشروبات ، لأنه يستطيع تحديد النوعيات ومواصفاتها ، أما في حال الأخبار ، فإنه يلتهم كل ما يسمع ويشاهد وفي أغلب الاحيان دون تمحيص وتدقيق، معتقدا بل مؤمنا بأنه يستهلك الافضل والنقى والاحسن.
الثانية: أن مجموع الأخبار والقصص المقدمة في كل ساعة ويوم تكون في نهاية المطاف مصدرا للتاريخ في تناوله لهذه القضية أو تلك ، فكيف سيرى ذلك الاجيال في المستقبل إذا كان المتلقي في وقتها منقسم في تصديق والوثوق بهذا المصدر أو ذاك؟.