مهما تطورت تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وازداد حجمها وارتفع نجمها فلن تكون بديلا للكتاب المطبوع على الورق لكنها ستمحو بعض الفراغ المحاذي لفصول لا نهاية لها من الخلايا والدوائر الالكترونية فالكتاب يملك من العراقة والاصالة ما تملكه البشرية فظهوره غير مجرى الحياة وصادر كل ما نقل على السنة القدماء ونظمه في الواح وعلى الجلود وفي العصر الحديث اخذ شكلا اخر حيث ان النضوج والادراك والذكاء الانساني جعل للكتاب مكانة متميزة لا ينافسه سوى الانسان فهو الذي يقوم بالفعاليات والنشاطات المختلفة والمتنوعة وفي كل المجالات والاخر يؤدي مهمته وواجبه بتوثيق وترتيب وتصنيف المعلومة والمعرفة لذا فمن احدى العادات الحسنة للانسان انه مارس طقوس الرؤية والعمل مع الكتاب والازمنة تشهد ان هذه العادة تحولت وتغيرت واتسعت واندمجت في شخصية الانسان فالمواقع الالكترونية والكتب الرقمية والبرامج التي تحمل حزم مكتبية وجدت طريقها الى العالم ونجحت في ايصال رسالتها ومليارات البشر استقبلوا هذه الرسالة حيث بادرت بالرد من خلال التعامل والممارسة اليومية لتقوية دعائم العلاقة بين الانسان والتكنولوجيا الا ان الطريق الاخر الكتاب ظل محتفظا بقيمته النفيسة فالاستغناء عنه غير وارد ولا يمكن العبث مع محتواه لما يحمل من عفة وطهر ونقاء فهو المعلم الذي كتب تاريخ الحضارة والصديق الذي يسرد قصصها وحكاياها ومنه انطلق التحول والتغيير والاتساع والاندماج …
لذا ان وجبت المقارنة بين الكتاب والتكنولوجيا فالاول يتصدر بفارق نقطة على الثاني وان وجب التحقيق لما بعد الحاضر فالغلبة للاول بذات النقطة لان التكنولوجيا تدور في فلك المشاهدة والتواصل بالعين للقراءة واليد للكتابة اما الكتاب فهو جسد ورقي خفيف مكون من الحروف والكلمات متصلة فيما بينها كاخوة واخوات لا يمكن التفريق بينها لأنها موثقة ومطبوعة بنسخ كثيرة يلفها ورق مقوى ناعم يبرز العنوان والرسم الكتاب كتلة ملموسة من المادة تشغل حيزا من الفراغ مصمم وفق قياسات له زوايا واضلاع وعرض وطول ووزن ..
فالقرص الصلب في الحاسوب يستطيع حمل الملايين من البيانات كتب وجرائد ومجلات بصيغة PDF صور مستندات ملفات اما حاضنة الكتب التي تسمى بالمكتبة فتحمل 1% منها على رفوفها وادراجها هنا القيمة الفكرية الفلسفية ثابتة لاي من مكونات القرص الصلب وحاضنة الكتب اما الاحساس والشعور واللمس والشم فقيمة اخرى لا تعرف قيمتها الخلايا الالكترونية ولا يمكنها التعرف عليها كونها لا تشم رائحة الورق الخشن ولا تميز الاصوات فالريح عندما تقلب صفحات الكتاب يخرج من رحم جسده معزوفة رقيقة تبهج العقل وتدعوه للغوص في اعماقه واللون والتشكيلات المرسومة على الغلاف لوحة مستوفية الشروط من الناحية الفنية تغازل الروح فالقرص الصلب يعمل وفق سياق معين اما الكتاب فهو رفيق حي مفعم بالطاقة والحيوية لا حدود لرغباته المتوحشة امام الضوء الساطع او شمعة سمينة تطرح الزيت من خاصرتها او عند اشارة المرور او في العمل عندما يجتاح الهدوء والسكون اروقة المكان فلا زوار وزائرين او على كرسي محاط بطاولة الطعام من جميع الجهات في المطبخ … الخ
الكتاب معلم العقل والتكنولوجيا نهضة العقل ..
ايفان علي عثمان
شاعر وكاتب