يكمن سر التفوق والنجاح في الحياة في أشياء قد تبدو بسيطة وتافهة عند البعض إلا أنها في الواقع تكون لها قوة تأثير الذرة عند انفجارها، وقد جسَّد هذه الإشكالية مؤسس وصاحب شركة «علي بابا» الصينية جاك ما. فنجاح إمبراطوريته الاقتصادية لم يكن بفضل الأموال والدعم من الدولة وإنما بهذه الطاقة اللامتناهية الكامنة في شخص صاحبها الذي يبرهن بقصة حياته أن السر في النهضة والتقدم يكون في البشر قبل أي شيء آخر، فهم يستطيعون أن يحولوا الظروف الصعبة إلى قصص نجاح.
هو نفسه عندما تخرج في الجامعة تقدم للعمل في ثلاثين وظيفة ولم ينجح. وكان من بين إحداها أن المتقدمين فقط 24 فرداً، فنجح منهم 23 ورسب هو! وعلى رغم ذلك لم ييأس واستغل مهنته في تدريس اللغة الإنكليزية وتقدم للدارسة في جامعات مشهورة، ولم ينجح أيضاً. فكيف حوّل هذا الحظ العاثر إلى قصص نجاح في سنوات معدودة؟
يكشف رجل الأعمال الصيني هذا السر في حديثه إلى منتدى دافوس الاقتصادي بطريقته الساخرة وهو يسرد بدايات حياته التي لم تكن سهلة وممهدة إطلاقاً، وكيف استطاع أن يبني هذه الإمبراطورية الاقتصادية فيكشف عن هذا العامل الذي يكمن في الثقة والإيمان بما تعمله وتجعل الآخرين يؤمنون بما تؤمن به. إلا أن ذلك لم يكن وحده هو مفتاح نجاح شخصية جاك ما، الذي للوهلة الأولى عندما تنظر إليه ترى البراءة والتسامح في وجهه الطفولي الذي يجذبك لتنصت إليه. جاك ما ابتكر اختراعاً في هذه الحياة حوَّله من حالة اليأس والإحباط إلى قمة النجاح، ومن الفقر إلى الغنى.
فمن يحاول أن يستمع إلى حواراته الكثيرة (موجودة على موقع يوتيوب) للبحث عن مفتاح النجاح هذا؛ يجد أن من الممكن أن يكون عند كل شخص بيننا، إلا أن التباين والجهل في استخدامه من عدمه هو الذي يفرق من شخص إلى آخر. وهذا المفتاح يكمن في معادلة بسيطة تقوم على تحويل كل صعوبة تواجه الإنسان في الحياة إلى فرصة لتحقيق مكسب ونجاح.
وأعتقد أن هذه المعادلة هي التي تلخص حياة الإنسان. فأي إنسان يأتي إلى هذه الحياة وهي مليئة بالعوائق وليست مفروشة وممهدة وما عليه ليس أن يعيش فيها فقط وإنما تحقيق ومراكمة النجاحات وأن يخلق من هذه المشكلة فرصة يحقق من وراءها مكاسب. فكل مبتدئ في الحياة واجه صعوبات وبالإصرار والصبر استطاع أن يجتاز هذه العقبة. وهذا ما استطاع مبكراً صاحب شركة «علي بابا» أن يكتشفه؛ لذلك هو لم ييأس عندما عجز عن أن يحصل على فرصة عمل في بداية حياته أكثر من مرة، وعلى رغم ذلك عمل في الجامعة لسنوات وتمنى أن يواصل تعليمه في أرقى الجامعات في العالم؛ جامعة هارفارد التي عجز عن أن يقبل فيها بعد محاولات كثيرة. وحوّل وهو في أميركا هذه الصعوبة في الالتحاق بالجامعة المتميزة إلى فرصة في أنه كان بحاجة إلى عمل، فاستطاع أن يفكر بطريقة تنبؤية للمستقبل، فدخل مجال الإنترنت الذي كان بازغاً في ذلك الوقت وخالباً للعقول.
وبتفكير بسيط استطاع جاك ما أن يربط ما بين الإنترنت كوسيلة والواقع المتمثل في بلده الصين وبدأ يبحث عما يجب أن يخدم به الصينيين باستخدام تطبيقاته وجعل منها ما يشبه سوبر ماركت، يتعامل معه زبائن من شتى أنحاء العالم. وعلى طريقة صاحب شركة «علي بابا»؛ نجح أثرياء كثيرون في ما بعد، إلا أن تجربة جاك ما تظل لها قيمتها لكونها مرتبطة بأبعاد إنسانية.