صندي تايمز: جريمة خاشقجي أنه كان يعرف أسرار النظام-
نشرت صحيفة “صندي تايمز” مقالا لكبيرة المراسلين الدوليين للصحيفة كريستينا لامب، تحت عنوان: “بالنسبة للنظام، الجريمة الحقيقية لخاشقجي هي أنه من داخله”.
وتقول الكاتبة: “منذ الدقائق الأولى لاختفاء خاشقجي سألت نفسي كيف يمكن لأي شخص أن ينظر إلى هذا الرجل الممتلئ اللطيف ذي النظارات على أنه تهديد، بل يتخلص منه أيضا”.
وتضيف لامب في مقالها، الذي ترجمت ، أن “لا أحد عاقلا يمكنه القبول بالتفسير السخيف عن مقتله، وذلك لا يهم ولي العهد محمد بن سلمان؛ لأن الأمر كان بالنسبة له شخصيا، جريمة خاشقجي أنه كان يعرف أسرار النظام”.
وتقول الكاتبة: “التقينا أول مرة في الثمانينيات من القرن الماضي في بيشاور، حيث كان صحافيا شابا يغطي الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وكتب (أذهب وأعود مع فصائل المجاهدين الذين يقاتلون لتحرير بلدهم وبدعم من الغرب، وصدمت عندما زرت معسكرا للعرب في الجبال)، وكان معهم رجل سمين يرتدي نظارة طبية، ضحك عندما طردت من مؤتمر صحافي لحكمت يار، أكثر قادة المجاهدين تطرفا؛ لأنه (كان يستطيع رؤية كاحلي)، وبعد المؤتمر شاركني خاشقجي في ملاحظاته التي كتبها من المؤتمر، ثم التقينا من فترة لأخرى في بيوت أمراء الحرب الأفغان”.
وتشير لامب إلى أنها عادت والتقت به بعد عقد من الزمان في العاصمة السعودية الرياض، وذلك في أعقاب هجمات 11/ 9، حيث كان يعمل محررا لصحيفة “الوطن”، وشعر مثل الكثيرين بالصدمة من الهجوم الذي خطط له ونفذه أبناء من بلده، و”كان واضحا لي أنه أصبح جزءا من النظام، فقد سافر مع الملك الراحل عبد الله، وأصبح لاحقا مستشارا لتركي الفيصل، الذي كان مديرا للمخابرات من 1977 إلى 2001، وأحد الرموز المهمة في الحرب الأفغانية”.
وتقول الكاتبة إنها ظلت تتلقى على بريدها رسائل من خاشقجي نيابة عن “سمو الأمير”، أي تركي، وهي إجابات لأسئلة وجهتها حول دعم السعودية لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وحركة طالبان، وتؤكد النفي القاطع، مشيرة إلى أن كل شيء قد تغير عندما صعد الملك سلمان إلى السلطة، وعين ابنه الأمير محمد، بطريقة غير متوقعة، نائبا لولي العهد، الذي راكم سلطات أكثر من أي أمير في تاريخ المملكة.
وتلفت لامب إلى أن ابن سلمان أطاح بابن عمه ولي العهد الأمير محمد بن نايف، وسيطر على الجيش، وأنهى عقودا من التوازن بين فروع العائلة الحاكمة، مشيرة إلى أن الأمر تحول إلى عبادة شخصية الفرد، وظهرت صور “أم بي أس”، كما أنه أصبح يعرف في الغرب، على اليافطات في أنحاء البلد كله.
وتنوه الكاتبة إلى أن هذا كان محط ترحيب من الشباب السعودي، الذي اعتاد على أن يحكم من رجال كبار في العمر، وبعد ذلك بدأ ابن سلمان بتهميش الآخرين، حيث اعتقل حوالي 400 أمير في حملة أطلق عليها “مكافحة الفساد”، وشن حملات ضد الناشطين، لافتة إلى أن خاشقجي شعر بعدم الارتياح عندما طلب منه التوقف عن الكتابة، وقرر مغادرة بلده، وقال: “لم تكن لدينا حرية صحافة في السعودية، لكن لم يطلب منا أبدا نشر أفكار معينة أو يفرض علينا ذلك.. هذا أمر جديد”.
وتفيد لامب بأن خاشقجي انتقل إلى فرجينيا في الولايات المتحدة، وبدأ في كتابة عمود في “واشنطن بوست”، وكان نقده معتدلا، فلم يطالب بالإطاحة بالنظام السعودي، بل دعا إلى حقوق الإنسان، وكان أشد النقد الذي وجهه لولي العهد أنه “يتصرف مثل بوتين” الرئيس الروسي.
وتورد الكاتبة نقلا عن عضو من العائلة المالكة همش ويعيش الآن في لندن، قوله إن الأمر لم تكن له علاقة بما قاله خاشقجي، لكن حقيقة أنه كان واحدا منهم “واحد من الداخل يكتب للخارج”، فرأى ولي العهد أن هذا “خيانة”.
وتنقل الصحيفة عن المسؤول السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي علي صوفان، قوله: “شخص مثل جمال خاشقجي يعد تهديدا كبيرا؛ لأنه لم يكن شخصية معارضة بل نتاجا للنظام”، وأضاف أن “كون شخص مثله جاء من الداخل، وكان رجل علاقات عامة لآل سعود، ولديه مصداقية عالية، ولا يؤمن بالصورة المكلفة لـ(أم بي أس) بصفته إصلاحيا، ووجه له النقد من على صفحات (واشنطن بوست)، فإن ذلك كان مهددا ومثيرا لغضب (أم بي أس)”.
وتورد لامب نقلا عن الناشطة التي قادت حملة من أجل قيادة المرأة للسيارات وتعيش اليوم في أستراليا منال الشريف، قولها إن قتل خاشقجي نشر الخوف بين المعارضين السعوديين في الخارج، وأضافت: “في الوقت الحالي هناك شيء واحد تفعله إن كنت داخل السعودية، هو الصمت، ولو تكلمت فسيتم اعتقالك”.
وتبين الصحيفة أن مقتل خاشقجي أدى إلى إغراق السعودية في أزمة أشد من تلك التي مرت بها في أعقاب هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، ففي تلك الفترة كانت لديها علاقات قوية مع إدارة جورج دبليو بوش والكونغرس، واستطاعت حجب الكثير من نتائج التحقيق في الهجمات.
وتستدرك الكاتبة بأن الوضع هذه المرة مختلف، فأقسم ليندسي غراهام، وهو أحد الداعمين الأشداء للمملكة، ألا يعود إليها طالما ظل ابن سلمان في السلطة، قائلا لـ”فوكس نيوز”: “هذا الرجل معول هدم”.
وتجد لامب أن “التهديد الأكبر لولي العهد قد يأتي من داخل العائلة، التي عادة ما يتسم عملها بالغموض، إلا أن عددا من الأمراء احتجوا للملك بشأن (أم بي أس)، وعقد مجلس البيعة لقاء، ويعلم الأمراء أن زعم الأتراك بأن لديهم تسجيلا لعملية القتل قد يدحض الرواية السعودية، وذهب الأمير خالد الفيصل إلى أنقرة للتوسط، وقال عند عودته لأحد أقاربه: (من الصعب الخروج من هذه الأزمة)”.
وتنوه الكاتبة إلى أن هذا يترك الملك سلمان (82 عاما)، الذي لا يتمتع بحالة صحية جيدة، أمام مأزق “فهو بحاجة للاختيار بين ابنه أو استقرار المملكة”، كما يقول صوفان.
وتختم لامب مقالها بالقول إن “حقيقة تعيين ولي العهد رئيسا للجنة التحقيق تعني أن الملك متردد في التحرك، وتم تحريك (تويتر)، حيث أعلن عن حملة تأكيد بيعة لولي العهد”.