وإذ كان الاعتراض البرلماني الأكبر، خصوصاً من كتلة «الإصلاح» التي يدعمها زعيم التيار الصدر مقتدى الصدر، على مرشح محور «البناء» لحقيبة الداخلية فالح الفياض ونجح في عرقلة اختياره، فإن الضجة الأكبر التي أثيرت حول مرشح وزارة الثقافة، ويحتمل أن تعرقل هي الأخرى عملية اختيار مرشحها، أتت من ناحية الجهتين الثقافيتين الأبرز في العراق، وهما «اتحاد الأدباء والكتاب» الذي يرأسه الكاتب ناجح المعموري و«نقابة الفنانين العراقيين» التي يقودها الفنان المسرحي جبار جودي.
نقابة الفنانين شجبت في بيان، التصويت على وزير الثقافة الجديد «كونه لا يمت للثقافة بصلة». وقالت النقابة في بيان غاضب وجهته إلى رئيس الوزراء وزعماء الكتل السياسية وأعضاء البرلمان، أول من أمس، «فوجئنا بطرح مرشّح لوزارة الثقافة العراقية، التي تمثّلنا، بشخصيّة لا نعرفها، وليس لها باعٌ في الثقافة العراقية، بل والأنكى من ذلك، أن يأتي ترشيح هذه الشخصية، مع احترامنا الكامل لذاتِها، في بلدٍ مثل العراق، لا يخلو أي مفصل فيه من عشرات المبدعين والإداريين الناجحين التكنوقراط»، مضيفاً: «إننا نشجب غاضبين هذه الطريقة العشوائية باختيار شخصيّة دون الرجوع لنقابة الفنانين العراقيين، أو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين، أو غيرها من النقابات المعنيّة بالمثقف العراقي».
وحذرت النقابة «الطبقة السياسية بمُجملها، بأنّ وزارة الثقافة لن تتعرض للإهانة مرة ثانية، كما أُهينت في الدورات السابقة كلّها تقريباً وأننا لن نترك هذه السنوات الأربع تمرّ بسلام، وسيجدون المعارضة اليومية، بل على مدار الساعة».
واعتبر بيان الفنانين أن اختيار مرشّح لوزارة الثقافة من خارج المنظومة الثقافية المعروفة «لا يشير لشيء، بقدر ما يشير إلى اعتباطية القرار السياسي، وعدم احترامه للثقافة».
في غضون ذلك، أبلغت مصادر قريبة من نقابة الفنانين الشرق الأوسط أن رئيسها جبار جودي وبعض أعضائها التقوا، أمس، زعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، ولم يصدر عن الاجتماع أي بيان بشأن ما دار في الاجتماع، وما إذا اتفق الجانبان على صيغة لتسوية محددة بشأن مرشح وزارة الثقافة، لكن المصادر ترجّح تمسك «العصائب» بمرشحها حسن الربيعي.
بدوره، هدّد اتحاد الأدباء والكتاب في العراق بمقاطعة أعمال الحكومة والبرلمان في حال «اختير مرشح لوزارة الثقافة من خارج الوسط الثقافي».
وقال الأمين العام للاتحاد، إبراهيم الخياط، في بيان «نوجه نداءً إلى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لإخراج وزارة الثقافة من المحاصصة، وألا يكون الترشيح بمعزل عن رأي اتحاد الأدباء الذي يمسك الأرض الثقافية». وبخلاف ذلك، أضاف الخياط بأنه «سيصبح التعامل أمراً مخجلاً مع الوزارة ورئاسة الوزراء».
كذلك أصدر المكتب التنفيذ لاتحاد الأدباء بياناً اعتبر فيه «طرح اسم وزير غير معروف، لبلد عُرف بثقافته، ضرباً لكل المشروعات التي قدّمتْها الأوساط الثقافية في طروحاتها العميقة والسديدة، أمر خطير ينذر بكوارث فادحة». وقال البيان: «سنكون مضطرين لإعلان مقاطعتنا لوزارة الثقافة التي سيصبح التعامل معها أمراً مخجلاً، ومقاطعتنا لرئاسة الوزراء التي لم تستمع لصوت المعرفة من المثقفين منذ ولادتها، وستتحوّل وزارة الثقافة إلى مجرّد وزارة أقلام خضر وحمر، ووزير الثقافة إلى مجرد رقم مضاف لقائمة الوزراء السابقين».
وأثار موضوع الاستيزارات المتكررة لوزارة الثقافة من خارج الوسط الثقافي، غالباً استياء الأدباء والكتاب والفنانين العراقيين، لكن الكتل السياسية تجاهلت على امتداد السنوات الماضية الدعوات المطالبة بتكليف شخصيات قريبة من الوسط الثقافي لإدارة ملف الثقافة.
وفيما يؤكد مصدر من اتحاد الكتاب رفض الأخير طلباً تقدم به المرشح حسن الربيعي للقاء بعض أعضائه لشرح وجهة نظره، وإقناعهم بالقبول به مرشحاً لوزارة الثقافة، بدا أن موقف نقيب الصحافيين العراقيين مؤيد اللامي يتقاطع مع موقف اتحاد الأدباء ونقابة الفنانين، حيث استقبل اللامي، أمس، المرشح المعترض عليه.
وعبَّر اللامي، بحسب بيان صادر، «استعداد النقابة وتعاونها المطلق لدعم العمل الثقافي وعمل وزارة الثقافة في المرحلة المقبلة، لتحقيق انطلاقة صحيحة في هذا الصدد، وبما يلبي حاجة وطموحات الصحافيين والإعلاميين والفنانين والأدباء في العراق».
من جهته، يرى رئيس تحرير جريدة الأديب العراقي الصادرة عن اتحاد الأدباء أحمد مهدي أن «السياسي العراقي مقتنع بمقولة المستشار النازي، حين قال: كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي». ويقول مهدي «العلاقة بين السياسي والثقافي علاقة خصام في النظام الفردي والديكتاتوري، أما النظام الديمقراطي فهو نظام متصالح مع الثقافي التنويري، وعلى الرغم من أن النظام العراقي هو نظام ديمقراطي، لكن هيمنة الخطاب الديني ورجاله قادت إلى تشظي العلاقة وتحول وزارة الثقافة إلى سلعة تسد بعضاً من رمق المحاصصاتية والتوافقية».