زهير ماجد
لا أعرف لماذا يكرر ترامب ما سبق وكان من عقوبات على إيران ولم تؤد إلى التسليم بأميركا والاستسلام لها ولإسرائيل. نص العقوبات ذاته، لكنها لم تجعل إيران تصرخ أو تقول الآه أو تنظم غناء حزينا لواقعها .. كانت صامتة، لكنها في الداخل حركة لا تهدأ، تقدم عمراني، وتقدم علمي، ودور سياسي كبير ومساعدات لمن يستحق، وحضور في الضرورة .. عالم من الإنجازات يرقى إلى بلد مستقر وهادئ ومستمر في عطاءاته.
يكرر ترامب لعبة من ألعاب التحدي التي جانبها وجائبها الأساسي إسرائيل .. عقل يريد أن يهدي جل طموحاته للكيان الإسرائيلي، كأنما الصورة الأميركية لا تتظهر على حقيقتها إلا إذا كان هذا المبدأ محققا وساري المفعول.
لكن أميركا وحدها هذه المرة تنطق بلغة العقوبات، في حين لن يهدأ ضخ النفط الإيراني إلى دول متعددة .. كأنما حسابات الأميركي أنه هو من سمح لهذا الأمر، في حين ثمة من يعلق ويقول، إن التهديد الإيراني بما يخص عبور النفط من مضيق هرمز وفي الإبحار في الخليج العربي قد أدى أغراضه، وكان الإيراني قد أكد مرارا أنه لن يقف مكتوف الأيدي إزاء عملية خنقه أميركيا. وأنه سيقوم بما تفرضه عليه طبيعة الظروف الجديدة. وهو في التعبير السياسي إنذار مباشر وغير مباشر يفهمه الأميركي وتفهمه إسرائيل.
قلنا إن الأميركي بات وحيدا يغرد في عقوباته، في حين اتخذت أوروبا والصين واليابان وكوريا مصالحها طريقا لإبقاء العلاقة مع طهران. ومن الواضح أن الأميركي عبر عن “رضاه” على خطوات الدول تلك إزاء عقوباته، وتحفظها بل إعلانها الصريح بعدم مجاراته، فهم المعادلة الجديدة وأن إيران التي اعتادت على العقوبات، لن تستسلم، ولن تشل قدرتها في شتى الميادين التي بلغتها، بل ربما أدت العقوبات السابقة إلى مفهوم الاعتماد على الذات، فوصل الإيرانيون إلى ما وصلوا إليه في شتى الحقول، علميا، وعسكريا، وصناعيا، وزراعيا، واجتماعيا، وحققوا من خلال ذلك نقلة قد يكون الأميركي تنبه لها لكنه يغلق عينيه كي لا يرى، فيظن أن الإيراني لم يحقق شيئا.
يوم حوصرت السفارة الأميركية في طهران، وقبلها تم إغلاق السفارة الإسرائيلية ورفع العلم الفلسطيني على مقرها، كان مفهوما أن الإيراني يتجه إلى إنشاء عالمه الخاص القائم على مقارعة أميركا وفي الدرجة الأولى إسرائيل .. فهمت الدولتان أن المعركة بدأت مع النظام الإيراني الجديد، لكنهما حين فكرا لاحقا بالعقوبات ظنا أن الجمهورية الإسلامية سوف تسقط بعد حين، تماما كظنون أميركا حين فرضت الحصار على كوبا بأن نظام فيدل كاسترو آيل للسقوط خلال شهور، ومثله أيضا حين اخترعت المؤامرة على سوريا وذهبت ظنونها إلى أن النظام السوري لن يعمر أكثر من أسابيع..
من الغريب إذن بعد كل هذا أن تعيد الولايات المتحدة فرض حصار مجرب مع جمهورية تزدهر كلما دق أبوابها حصار من هذا النوع، وهو ما يظهر قوة هذا النظام وإمكانياته الشعبية التي تقف وراءه، والعقل المتفتح الذي يستخدمه في الأخطار.. إذ ليس سهلا أن يحصل كل هذا وتبقى إيران على فتوة وشباب وصلابة وممانعة وحضور حيث يجب أن تكون.