محمد بن سعيد الفطيسي
تدرك الولايات المتحدة الأميركية المكانة المستقبلية للصين، وأنه من الصعب الوقوف في طريق تقدم الصين خصوصا من الناحية الاقتصادية، وفي ذات الوقت تعلم الصين أنه ليس من الجيد أو المناسب لها مواجهة قوة عالمية كبرى كقوة الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يغلب على الطرفين بالرغم من صعوبة التقارب علاقة الند للند ولو كان ذلك في نطاق تزايد دائرة المخاوف والشك المستمر بينهما.
المتتبع للعلاقات الأميركية الصينية يتأكد لديه صعوبة التقارب بين القوتين العظميين نظرا لتضارب الكثير من المصالح الجيوسياسية بينهما, بالتالي اختلاف السياسات والتوجهات الخاصة بتحقيق ذلك، ما يؤكد بدوره استمرار تلك العلاقة المتوترة بين الطرفين، مع الأخذ بالاعتبار لتقدير المكانة الجيوسياسية للولايات المتحدة الأميركية، وكذلك للتغيرات الجذرية في السياسة الأمنية والعسكرية الصينية من الناحية الاستراتيجية.
والملاحظ على هذه العلاقة خصوصا في ما يتعلق بجانب الصراع الاقتصادي والتجاري وهو الجانب الأخطر والأكثر توترا واضطراب، أنها تسير في طريق شبه مسدود، ما يعني بدوره كذلك أن نوعا من التفاهمات والتنازلات هي أقرب للحدوث من فكرة التلاحم والصراع العسكري لحسم مسألة تلك القضايا العالقة بين الطرفين، لاستحالة هذه الفكرة على المدى القريب على أقل تقدير، وهو من باب أولى على المديين المتوسط والبعيد، وهذا التوجه لا يعني بالضرورة ضعف الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة القوة الصينية، ولا أن القوة الصينية قادرة على مواجهة الولايات المتحدة الأميركية من الناحية العسكرية.
بل يمكن النظر إليها على أن التراجع في مستوى قوة الجذب المركزي للولايات المتحدة الأميركية والتي طالما تحدثنا عنها لأسباب عديدة ومختلفة، وتزايد مساحة الفراغ الجيوسياسي الناتج عن ذلك التراجع، مهد الأمر لقوى دولية أخرى لسد بعض من ذلك الفراغ في مكان وزمان ما من رقعة الشطرنج الدولية، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، وهو أمر واقع بالفعل ولا يقتصر على الصين وحدها، بل برزت كذلك قوى عالمية وإقليمية أخرى تمارس ذلك الدور في ظل تلك الظروف بمستويات متفاوتة، كروسيا وإيران وتركيا على سبيل المثال.
وهذا الأمر ليس بخافٍ حتى على المراقب العادي للشؤون الصينية الأميركية، خصوصا في ظل هذا الكم الهائل من التصريحات الإعلامية الأميركية وكذلك الصينية المقابلة، والتي يغلب عليها سمة القلق والشك المتبادل بين الطرفين، ونستذكر منها على سبيل المثال لا الحصر اتهامات وزير العدل الأميركي، جيف سيشنز الأخيرة للصين من أن حالات تجسس هذه الأخيرة عليها يتزايد بسرعة كبيرة. وأشار سيشنز، خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده بتاريخ 1/11/2018م، إلى أن هذه التكنولوجيا لم تكن الصين تمتلكها حتى وقت قريب.
والحقيقة أن الصين ربما تكون القوة الأكثر اهتماما بالمقاييس الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية منذ بداية عقد السبعينيات من القرن الـ20, حتى أكثر من بقية القوى العالمية كروسيا على سبيل المثال، ليس ذلك للقوة العسكرية الصينية التي بكل تأكيد ليست بقدرة الإمكانيات والقوة الأميركية، ولكن بكل تأكيد يكمن ذلك الاهتمام من الناحية الاقتصادية والتجارية، وهو أمر طبيعي جدا إذا ما كنت تواجه قوة اقتصادية كالاقتصاد الصيني. وكما يؤكد هنري كيسنجر من أنه (ينبغي أن تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى إيصال رسالة إلى الصين مفادها أن أميركا سوف تسهل ولا تعيق مشاركة الصين في نظام دولي مستقر، كما ينبغي أن تكون المواجهة مع الصين هي الملاذ الأخير وليس الخيار الاستراتيجي).
إذا تدرك الولايات المتحدة الأميركية المكانة المستقبلية للصين، وأنه من الصعب الوقوف في طريق تقدم الصين خصوصا من الناحية الاقتصادية، وفي ذات الوقت تعلم الصين أنه ليس من الجيد أو المناسب لها مواجهة قوة عالمية كبرى كقوة الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يغلب على الطرفين بالرغم من صعوبة التقارب علاقة الند للند ولو كان ذلك في نطاق تزايد دائرة المخاوف والشك المستمر بينهما.
لذا وفي هذا السياق يتوقع أن يلتقي (الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الصيني شي جين بينج في قمة مجموعة العشرين المرتقبة في بوينس أيرس، في السياق نفسه، أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه أجرى «محادثات طيبة» عبر الهاتف مع نظيره الصيني شي جين بينج، ركزت على قضايا تجارية. وغرد ترامب على موقع تويتر قائلا: أجريت للتو، مكالمة طويلة وطيبة للغاية مع الرئيس الصيني شي جين بينج. تحدثنا عن العديد من الموضوعات، مع تركيز كبير على التجارة. وأضاف الرئيس الأميركي: تسير هذه المناقشات بشكل لطيف مع اجتماعات قمة مجموعة العشرين المقررة في الأرجنتين).
إذًا المسألة وكما يطرحها هنري كيسنجر في كتاب – هل تحتاج أميركا إلى سياسية خارجية (لا تتعلق بما إذا كان من الواجب مقاومة المحاولات الصينية للهيمنة على آسيا، وإذا ما حصل ذلك فالواجب مقاومتها، لكن في وقت لا تتوفر القدرة على القيام بذلك؟ ما الغرض من استراتيجية مواجهة لأجل المواجهة؟ وما هو الهدف الاستراتيجي من وراء ذلك؟…..وإلى أي مدى ستظل أميركا وحدها في موقع يؤهلها لإعاقة نمو الصين في مواجهة الاحتمالات الأكيدة أن مثل هذه السياسة لن تجد دعما دوليا ذا شأن. واختصر كيسنجر الحل بقوله: ينبغي على قيادة أميركية حكيمة الموازنة بين مخاطر إثارة القومية الصينية والمكاسب من الضغوط قصيرة المدى حتى مع افتراض كون حرب باردة جديدة لا مفر منها ـ وهو افتراض أستبعده ـ فإن السياسة الأميركية الحكيمة تقتضي إزاحة عبء الصراع مع الصين لتفادي العزلة).