حكومتان جديدتان في العراق وكردستان: تقرير عن رحلة

1

كينيث بولاك, نسيبة يونس, مايكل نايتس, و بلال وهاب

“في 1 تشرين الثاني/نوفمبر، خاطب كينيث بولاك ونُسيبة يونس ومايكل نايتس وبلال وهاب منتدى سياسي في معهد واشنطن. وبولاك هو باحث مقيم في “معهد أمريكان إنتربرايز”. ويونس هي مستشارة بارزة في “المعهد الأوروبي للسلام”. ونايتس هو زميل أقدم في معهد واشنطن، وكان قد عمل في جميع محافظات العراق وأمضى بعض الوقت مع قوات الأمن في البلاد. ووهاب هو زميل “ناثان واستير ك. واغنر” في المعهد. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.

كينيث بولاك

كانت انتخابات أيار/مايو كارثية، ولكن الحكومة التي انبثقت عنها جاءت أفضل مما كان يتوقعه أي شخص. فالرئيس العراقي الجديد برهم صالح ورئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي والشعب العراقي يريدون رؤية البلاد تتغير في الاتجاه الصحيح. وبما أن العراق عانى مشكلة منذ مدة طويلة بسبب الاختلاف بين رغبات الشعب والقيادة، فيجدر بالولايات المتحدة أن تكون متفائلة.

ومع ذلك لا يخلو الوضع من تعقيدات. إذ يجب على الحكومة الجديدة التعامل مع ثلاثة مجتمعات مختلفة تضررت بشدة من قضايا فريدة من نوعها. فالأكراد غاضبون من فقدانهم السيطرة على كركوك، ومن وضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية، ومن حالة نفطهم وقواتهم الأمنية. أما السُّنة فبأمسّ الحاجة إلى إعادة الإعمار بعد الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية»، ويشعرون بالقلق من معاودة ظهور هذه الجماعة الجهادية، وسئموا من استبعادهم عن مناصب السلطة السياسية الأكبر في بغداد. ويشعر الشيعة بالغضب من عجز الحكومة عن توفير الخدمات الأساسية وتقديم إطار عمل اقتصادي لإحياء البلاد بأسرها. ويركّز كل مجتمع على مشاكله الخاصة فقط ولا يبالي بمشاكل الآخرين.

وعلى الصعيد السياسي، سيترأس رئيس الوزراء عادل عبد المهدي حكومة وحدة وطنية أخرى. وبينما حاول تخطّي سياسة المحسوبية التي تقوم عليها مثل هذه الحكومات عند اختيار وزرائه، إلا أنه لم يتمكن من التغلب عليها بالكامل. فأعمال الشغب التي نشبت في جنوب البلاد تشير إلى الواقع التالي: إن فشله في تقديم النتائج المتوقعة في المستقبل القريب، سيؤدي إلى فقدان العراقيين الثقة في النظام نفسه.

نُسيبة يونس

بذلت إيران والولايات المتحدة جهوداً كثيرة في التسابق من أجل التأثير في العراق خلال عملية تشكيل الحكومة، وجاءت تفسيرات النتائج مختلطة. فالنتائج الإيجابية المختلفة دفعت البعض إلى اعتبار الحكومة الجديدة نجاحاً للولايات المتحدة، ولكن هذا ليس هو الحال.

لنأخذ على سبيل المثال الرئيس برهم صالح. فعلى الرغم من أنه لا يوجد سبب يدعو لإضعافه أو التقليل من قدراته، إلا أن إيران، وليس الولايات المتحدة، هي التي توسّطت لعودته إلى «الاتحاد الوطني الكردستاني» وأسكتت المعارضة داخل الحزب. وكان قد خرج من الانتخابات البرلمانية في أيار/مايو في حالة ضعيفة. وبطبيعة الحال، يتعيّن على الولايات المتحدة مواصلة العمل معه، لكن يجب ألا تنسى من هي الجهة التي أوصلته بأفعالها إلى السلطة.

وفي السياق نفسه، تعاملت الولايات المتحدة مع عادل عبد المهدي على نحو مكثف حين كان وزيراً للنفط في العراق، ولكنها دعمت رئيس الحكومة آنذاك حيدر العبادي خلال الانتخابات، متغاضيةً عن كافة التحليلات المنطقية للوضع. ومن خلال سوء قراءتها للمشهد السياسي خسرت واشنطن فرصة التأثير على مرشح لديه بعض الشعور بالولاء.

وفي المقابل، بذلت طهران بعض الجهود الاستثنائية في بناء تحالفات سياسات لم تكن واشنطن تعتقد أنها ممكنة. على سبيل المثال، تم ضمّ السُنة اليمينيين إلى كتلة “البناء” التي تُعدّ الجناح السياسي لبعض الميليشيات الشيعية. ولكن إيران تعمّدت على عدم استخدام كامل نفوذها، لأنها لا تُريد إهانة الولايات المتحدة إلى الحد الذي تفرض فيه قيوداً شديدة على العراق. كما أن طهران حساسة لكيفية تأثير هذا التدخل على السياسة العراقية المحلية.

مايكل نايتس

تُعتبر كركوك نقطة أساسية في اتفاقية إيرادات النفط بين الحكومة العراقية المركزية و«حكومة إقليم كردستان»، وتقوم الولايات المتحدة بدور أساسي في إدخالها في هذه العملية. وقبل التمكن من التوصل إلى مثل هذا الاتفاق، من المرجح أن يشهد العام المقبل مواصلة سير حكومتي بغداد و«إقليم كردستان» في مخطط تعاوني لتصدير النفط. ومن المحتمل أن يستمر الأكراد في تسويق نفطهم الخام بأنفسهم وتصدير خام كركوك التابع لحكومة بغداد، بينما تعمل الحكومة المركزية على تمويل ميزانية «الإقليم». وسوف تتيح هذه الاستراتيجية إلى استمرار الأكراد بدفع الرواتب وتقديم الخدمات الاجتماعية وتسديد تكاليف النفط، بالإضافة إلى الاستمرار في خدمة ديونهم عند مستوى 200 مليون دولار شهرياً.

وعلى الصعيد الأمني، هدفت “عملية العزم الصلب” إلى إبطال قوة تنظيم «الدولة الإسلامية» وإعادتها إلى ما كانت عليه عام 2012. ومع ذلك، فبينما قلّص تنظيم «داعش» وتيرة عملياته من الناحية الكمية، إلّا أنّه ضاعف ألاعيبه من الناحية النوعية. وتحتاج قوات الأمن العراقية إلى تجنيد المزيد من العناصر، وخاصة من السكان المحليين من أجل الاستمرار بهزيمة جيوب تنظيم «الدولة الإسلامية». وبما أن هذه الجماعة تستغل الخلافات على المناطق بين حكومة بغداد و«حكومة إقليم كردستان»، هناك حاجة ملحّة إلى إنشاء جيل جديد من القوات المشتركة. وقد فكّر المسؤولون العراقيون في تجنيد كتيبتين جديدتين لمكافحة الإرهاب، أحدهما من السليمانية والأخرى من أربيل، على أن تعملا تحت السيطرة الفدرالية ويتم تمويلهما عن طريق بغداد، ولكن تتألفان من السكان المحليين الأكراد وغير الأكراد.

وعلى المستويات الأخرى، سجلت «قوات الحشد الشعبي» أداءً جيداً في الانتخابات الوطنية حيث قفز عدد أعضاء «عصائب أهل الحق» في البرلمان من مقعد واحد إلى 15 مقعداً. يجب على الولايات المتحدة أن تشير بوضوح إلى ما هي مستعدة أم غير مستعدة لتقديمه لـ «قوات الحشد الشعبي» من حيث التدريب والدعم. ويعتقد البعض أن على واشنطن فرض عقوبات على «عصائب أهل الحق» وبعض الوحدات الأخرى. وبغض النظر عما يقرر المسؤولون الأمريكيون القيام به، عليهم دعم مؤسسات الدفاع العراقية. فـ «قوات الحشد الشعبي» نشأت في المقام الأول بسبب افتقار العراق إلى قوات احتياط رسمية، ولا يزال هذا النقص قائماً حتى اليوم. ينبغي على الولايات المتحدة الحفاظ على وجودها هناك، والتنافس مع إيران على التعاون الأمني، ومساعدة العراق على تشكيل قوات احتياطية. ومن خلال قيامها بذلك، سوف تتمكن من هزيمة طهران في كل مرة، لأن العراقيين يقدّرون التعاون الأمني مع الولايات المتحدة أكثر من الدعم الإيراني.

بلال وهاب

بعد مرور المرحلة [الأولى من] تشكيل الحكومة، حقق العراق عدة مكاسب ملحوظة. فقد جرت عملية انتقال السلطة بسلميةٍ تامة، وأصبح نظام الحكومة في العراق أكثر استجابة لمطالب الشعب، كما تمت هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى حد كبير، ومَنحت إيران والولايات المتحدة موافقتهما الضمنية على الحكومة الجديدة، بينما شهدت بغداد مشاركة أكبر من قبل السنة والأكراد.

ومع ذلك، تبقى الحوْكمة هي التحدي الأكبر. فالمواطنون الشيعة في البصرة كانوا مستعدين للتظاهر ضد حكومة يرأسها الشيعة لأنهم كانوا محرومين من الكهرباء والمياه. وفي قطاع الأعمال، لا يزال الاقتصاد الإجمالي في قبضة الحكومة بالرغم من تأييد بغداد الشفهي للأسواق الحرة.

وفي غضون ذلك، تواصل إيران ممارسة نفوذ كبير بسبب المؤسسات العراقية الضعيفة وسياسات البلاد القائمة على الصفقات. لكن الفضل الذي يُنسب إلى طهران هو أكبر مما تستحق، خاصة في تسمية حكام العراق الجدد، إذ لا يجوز غض النظر عن مجموعة الأحزاب والقيادات المحلية في البلاد.

فضلاً عن ذلك، كانت الانتخابات الكردية سلمية أيضاً، على الرغم من أن نسبة الإقبال كانت متدنّية – وربما أيضاً أدنى من نسبتها في الانتخابات الوطنية. إذ لم يصوّت الكثير من الشباب. كما أن العديد من المواطنين المحليين يؤمنون بأن الحزبين الحاكمين في «حكومة إقليم كردستان» – أي «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني» – استخدما مركزيهما لطباعة بطاقات هوية مزوّرة وإرسال مناصريهما للتصويت بدلاً عن أشخاص آخرين. ومهما كانت الحالة، فقد خسرت أحزاب المعارضة الكردية البعض من مقاعدها، بينما عاد «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«الاتحاد الوطني الكردستاني» إلى الهيمنة على السلطة رغم العقبات الرئيسية مثل سوء إدارة الاقتصاد واستفتاء الاستقلال الذي أُجري العام الماضي. ويشير ذلك إلى أن الحزبين الحاكمين كانا يبذلان جهوداً جمة في مؤسساتهما، حيث نجحا في تشكيل جهاز حزبي بالغ القوة يستطيع جعل دينامية السلطة لدى «حكومة إقليم كردستان»، أقل ديناميةً من سلطة العراق.

يتعيّن الآن على «حكومة إقليم كردستان» التعامل مع مصدر ضغط آخر من إيران وتركيا. فقد ازدادت عدائية طهران تجاه جماعات المعارضة الكردية الإيرانية التي التمست ملاذاً آمناً لها في شمال العراق. وبالمثل، يتزايد الوجود العسكري التركي داخل «إقليم كردستان»، مما قد يؤدي إلى حدوث تصعيد ضد قوات «حزب العمال الكردستاني» في المنطقة.

 

التعليقات معطلة.