طارق أشقر
مع اقتراب اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط الأوبك خلال هذا الأسبوع في العاصمة النمساوية فيينا، يزداد الترقب والقلق العالمي بين المنتجين والمستهلكين للنفط حول ما سيحل على أسعار النفط كنتيجة لأي اتفاق مأمول بين الأعضاء على تخفيض الإنتاج ليرتفع سعر البرميل، أو تشهد المزيد من الهبوط جراء أي اختلاف أو انهيار للمحادثات بشأن تخفيض الإنتاج.
يعتبر القلق والترقب منطقيا طالما ظلت أسواق النفط شديدة الحساسية لأي تحركات سياسية واقتصادية بمناطق الإنتاج، حتى لو كانت معطيات تلك التحركات بعيدة إلى حد ما عن مناطق دول الإنتاج، غير أن قدر أسعار هذه السلعة الاستراتيجية أصبح الأكثر تأثرا بحقيقة أن الاقتصاد العالمي أضحى حقا اقتصاد قرية صغيرة شأنه شأن العالم كله الذي أصبح قرية بفضل تطور الاتصالات، غير أن انكماش قرية الاقتصاد العالمي مرده سيطرة المستهلك على آليات سوق منتج النفط على عكس ما كان سائدا بشكل تقليدي دائما بأن الجهة المنتجة لأي سلعة استهلاكية هي التي عادة تسيطر على آليات السوق لقدرتها على التحكم في مستويات عرض سلعتها ليزيد الطلب عليها ويرتفع سعرها.
وقد سبق التنويه في نفس هذه الزاوية من “في الحدث” في السادس من نوفمبر الماضي في اليوم الثاني من دخول العقوبات الأميركية المفروضة على إيران حيز التنفيذ وتحت عنوان: “كيف ستتأثر الأوبك بالعقوبات الأميركية على إيران؟” بأن التأثير السلبي لتلك العقوبات على أسعار النفط سيكشف عن تأثيرات قد لا تتوقف في حدود خفض أسعار النفط فحسب، بل قد تمتد إلى مستوى التأثير في تماسك منظمة الدول المصدرة للنفط المعروفة اختصارا بالأوبك، وذلك رغم مسارعة بعض المحللين إلى التخفيف من تأثير تلك العقوبات على الأسعار، إلا أن الأيام اللاحقة أظهرت وفي فترة وجيزة تأثير تلك العقوبات على الأسعار التي سرعان ما انخفضت حتى وصلت في حدود الثمانية وخمسين دولارا بأكثر أو أقل، كنتيجة لما تبع تلك العقوبات من ضغوط من المستهلكين هدفت إلى ضرورة زيادة الإنتاج وخفض الأسعار أكثر وأكثر… وهذا ما كان يخشى الكثير من المحللين منه على مستقبل الأوبك التي تزداد المخاوف من أي حالة فقدان لسيطرتها على آلية الأسعار بسبب أي خلافات قد تطفو بشأن اتخاذ قراراتها.
وعليه ومع اقتراب اجتماع الأوبك في هذا الأسبوع، ورغم الاستقرار النسبي الذي تشهده الأسواق حاليا نتيجة الاتفاق السياسي الاقتصادي بين واشنطن وبكين، إلا أن الخوف على مستقبل مقدرة الأوبك على التحكم في أسعار النفط ما زال قائما، خصوصا وأن الأوبك وبحكم ما طرأ على خريطة الإنتاج العالمي للنفط من متغيرات أصبحت لا تسيطر إلا على 40% فقط من حجم الإنتاج العالمي رغم أنها تسيطر على 70% من حجم “الاحتياطي” العالمي للنفط، غير أن تلك الاحتياطات بالضرورة إمكانية تفعيلها إنتاجيا نتيجة أي عجز للمنظمة في التحكم على آلية السوق لأسباب جيوسياسية سينعكس سلبا وبقوة على الأسعار.
لذلك فإن الساحة مهيأة للمزيد من الاستقطاب السياسي بشأن مستقبل قدرة الأوبك على السيطرة على أسعار النفط، وللمزيد من التداعيات البعيدة لسياسة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران إحدى كبريات المنتجين من أعضاء الأوبك، وللمزيد من تضارب المصالح الاقتصادية الفردية للمنتجين أعضاء وغير أعضاء في الأوبك… آملين أن لا تتوسع دائرة الخلافات في اجتماع فيينا المقبل، وأن يتفق الأعضاء وغير الأعضاء بعقلانية يأخذون فيها مصالح بلدانهم الاقتصادية بنظرة بعيدة المدى ليتفقوا على خفض الإنتاج من أجل المزيد من الاستقرار الاقتصادي لبلدانهم وشعوبهم حاليا ومستقبلا، فضلا عن ما سيتحقق بالنتيجة لمستقبل أسواق النفط من استقرار وازدهار، نرجو أن يكون ملموسا بشكل أفضل.