نايف معلا
يحتفل العالم في العاشر من كانون الأول (ديسمبر) من كل عام بيوم حقوق الإنسان، وقد وقع الاختيار على هذا اليوم كونه يرمز إلى اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 1948، والذي يعتبر وثيقة فارقة في تاريخ حقوق الإنسان، ومصدر الإلهام لكثير من معاهدات حقوق الإنسان الملزمة قانوناً، وقد ترجم هذا الإعلان إلى 507 لغات، وضمنت العديد من الدول بعض مواده في دساتيرها الوطنية، وحسْبه أهمية أن يُعتبر أحد مكونات الشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي تضم إضافة إليه، العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان 1966 (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).
من المعلوم بداهةً أن تعزيز وحماية حقوق الإنسان ليست عملية ذات أجل محدود، أو مشروعاً يمكن تأطيره بزمن، وإنما هي عملية ديناميكية مستمرة لا تقف عند حد معين، ومع ذلك فإن هناك مؤشرات كمية ونوعية يمكن بها أو من خلالها قياس التقدم المحرز في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان في أي بلد من البلدان، والمقارنة بين الدول وتصنيفها على هذا الأساس. وإذا ما أُريد الوصول إلى تقييم دقيق لحالة حقوق الإنسان في أي بلد، فينبغي أن تكون الموضوعية حاضرة في إطار عمليات التقييم، سواء أكان ذلك على المستوى الوطني أم على المستوى الدولي.
فعلى المستوى الوطني ينبغي أن تكون الجهات الحكومية المعنية على قدر كبير من الموضوعية والمهنية، عند تقديم المعلومات سواء في إطار تقارير أم إفادات، للآلية الوطنية المعنية بتقييم حالة حقوق الإنسان، التي ينبغي أن تكون هي الأخرى على قدر أكبر من الموضوعية والمهنية عند فحص وإدراج المدخلات في مكنات التقييم بمختلف أنواعها، وقراءة المخرجات على نحو دقيق يعكس الواقع من دون إقلال أو تزيّد. وقس على ذلك التقييم على المستوى الدولي مع استبدال الجهات الحكومية بالدولة المعنية، والآليات الوطنية بالآليات الدولية كهيئات المعاهدات التابعة للأمم المتحدة، إلا أن التقييم على المستوى الدولي يتطلب دخول طرفين إضافيين في هذه العلاقة، يتمثلان المصادر الرسمية مثل هيئات وآليات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، ومصادر غير رسمية تتمثل في مؤسسات المجتمع المدني (المنظمات غير الحكومية NGOs، والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان NHRIs)، إذ تقوم هذه المصادر بتقديم تقارير موازية (تقارير الظل) للآلية المعنية، أو تستند إلى ملاحظاتها، ويأتي ذلك لخلق نوع من التوازن في أذهان الخبراء المعنيين بدراسة تقارير الدول أو سجلها في مجال حقوق الإنسان.
وعلى رغم هذا التحوّط، فإن مسألة الخروج بتقييم دقيق لأوضاع حقوق الإنسان في الدول وفقاً لهذه الطريقة، غاية في الصعوبة، لأسباب عدة يتسنمها التظليل الذي تمارسه بعض المنظمات غير الحكومية من خلال إيراد معلومات مغلوطة أو غير دقيقة في تقاريرها أو ملاحظاتها، وكذلك المواقف المسبقة الحاضرة في أذهان دارسي تقارير الدول من خبراء تلك الآليات.
في تقديري أن التقييم الوطني أولى بالتركيز والاهتمام من التقييم الدولي، لأنه باختصار يمثل تقييماً للذات، وغالباً ما يكون تقييم الذات صادقاً ونافعاً إن لم أقل دائماً، مع عدم إغفال التقييم الدولي الذي أسهم في تحسين حالة حقوق الإنسان في كثيرٍ من بلدان العالم، ولكي يكون التقييم على المستوى الوطني مُنتجاً وذا أثرٍ إيجابي على حالة حقوق الإنسان، ينبغي أن يكون هناك مؤشرات كمية ونوعية تُمكّن من التشخيص الدقيق لحالة حقوق الإنسان، وتحديد الأولويات، ورسم الأهداف بدقة، والعمل على تحقيقها من خلال البرامج والمبادرات.
السعودية مهيأة وبجدارة لتكون نموذجاً يتجاوز النماذج الدولية الرائدة أو يصطف إلى جانبها في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان، في ظل هذه القيادة الرشيدة التي لم يقف هاجسها عند حد حماية حقوق الإنسان، بل تجاوزها إلى حيث رفاهيته، ولم تكتفِ إرادتها عند الوفاء بالالتزامات، بل تخطتها إلى حيث أفضل الممارسات في مجال حقوق الإنسان. ولا يخالجني الشك إطلاقاً في أن الشواغل والتحديات الماثلة، بوجود هذا الهاجس وتلكم الإرادة، سيأتيها الدور، وستتم معالجتها وكأنها لم تكن، فخلال الثلاث سنوات الماضية تحدثنا وحُدّثنا عن العديد من الشواغل والتحديات التي تعترض جهود تعزيز وحماية حقوق الإنسان، ولكنها اليوم أصبحت أثراً بعد عين.