مقالات

خلافات داخل التنظيم.. البغدادي يأمر باستئصال “الغلاة الحازميين” فمن هم؟

شمس الدين النقاز


أبو بكر البغدادي عزل أمير اللجنة المفوضة وأعضاءها وقرّر تعيين “الزرقاوي” المعروف بمناظراته مع “الحازميين” أميرا جديدا لها
بعد أشهر طويلة من الابتعاد عن الأضواء، عاد اسم أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الإسلامية للظهور على الساحة من جديد، ولكن في صفوف الجهاديين دون غيرهم، بعد أن أكّدت حسابات كبار المقرّبين من التنظيم أن البغدادي أصدر أوامر شخصية لاستئصال “الغلاة الحازميين” بسجنهم وطردهم أو قتلهم إن لم “يتوبوا” من “معتقد الخوارج”.

الخبر اليقين جاء يوم الجمعة الماضي الموافق لـ8 من سبتمبر الجاري، بعد أن أصدر الأمير الجديد للجنة المفوضة “أبو عبد الرحمن الزرقاوي” بيانا دعا فيه مقاتلي تنظيم الدولة المحاصرين في مدينة حماة السورية، إلى عدم الاستسلام والصبر في ساحات القتال، والاقتداء بـ”إخوانهم” الذين لم يسلّموا مدينة الموصل إلا أحجارا وركاما.

البيان الموقع من “أبو الرحمن”، أكد رسميا ما تداوله أنصار تنظيم الدولة الإسلامية أن أبا بكر البغدادي عزل أمير اللجنة المفوضة وأعضاءها وقرّر تعيين “الزرقاوي” المعروف بمناظراته مع “الحازميين” أميرا جديدا لها بعد أن كان سجينا بتهمة مخالفة تعميمات اللجنة المفوّضة التي تبنّت فيها ضمنيّا تأصيلات الشيخ السعودي أحمد بن عمر الحازمي.

قبل صدور بيان اللجنة المفوضة الجديد، كان أنصار تنظيم الدولة على شبكات التواصل الاجتماعي قد كشفوا عن صدور أوامر من “الخليفة” بإلغاء العمل ببيان اللجنة المفوّضة وعزل الشرعيين المنضوين تحتها وسجن بعضهم وعدم الإفراج عنهم إلا بعد أن يتوبوا من “عقيدة الخوارج”.

حسابات مقرّبة من التنظيم الجهادي، عبّرت عن سعادتها بهذا القرار ورأت فيه تعديلا للبوصلة الشرعية التي انحرف بها “الغلاة” نحو المجهول، فكفّروا ما شاء لهم من “عوام المسلمين” واستحلّوا دماء كلّ “عاذر بالجهل” و”عاذره” في مسائل “الشرك الأكبر” على غرار الشرعي العام السابق تركي البنعلي وأبي محمد العدناني الذين قُتلا في ظروف غامضة، وفق ما يروّج ذلك خصوم “الحازميين”.

تنظيم الدولة أرجع الهزائم الأخيرة التي لحقت بهم في العراق وسوريا، إلى سيطرة “الغلاة” على القرار الداخلي وسط عجز أبي بكر البغدادي عن متابعة ما يحدث

بيان اللجنة المفوّضة ذي الصفحات السبع الذي أثار جدلا واسعا في صفوف شرعيّي ومقاتلي تنظيم الدولة، كان قد أقرّ منهج الشيخ السعودي أحمد بن عمر الحازمي في ثلاث نقاط أساسية، أوّلها تأصيل الكفر في الدول العربية والإسلامية وتكفير أعيان المنتخِبين دون اعتبار لعامل الجهل وهذا ينبني عليه التكفير بالجملة إضافة لتكفير العاذر الذي ينبني عليه التسلسل في التكفير، وهو ما دعا تركي البنعلي للردّ على ما أصّله بيان اللجنة المفوّضة من عشرين وجه.

اللجنة المفوّضة السابقة كانت قد استغلّت حالة الفراغ الكبير التي يعيشها تنظيم الدولة الإسلامية على الساحة الشرعيّة، فتمكّنت من مسك زمام الأمور وسجنت وحاكمت العشرات من المتوقّفين في “تكفير العاذر”، مقابل تعيين “الحازميين” في المناصب الحساسة، بل وصل بها الأمر لإصدار قرار بسحب أبرز المقررات التعليمية من المعسكرات، لاحتوائها على “مخالفات شرعية” وفق قولهم.

هذه المعطيات وغيرها، أجبرت مقاتلين وشرعيين داخل تنظيم الدولة على إرجاع الهزائم الأخيرة التي لحقت بهم في العراق وسوريا، إلى سيطرة “الغلاة” على القرار الداخلي وسط عجز أبي بكر البغدادي عن متابعة ما يحدث، وقد استندوا في طرحهم هذا على “مباهلة” أبي محمد العدناني للقيادي بجبهة النصرة أبي عبد الله الشامي، والتي قال فيها “اللهم إن كانت هذه الدولة دولة خوارج، فاقصم ظهرها، واقتل قادتها، وأسقط رايتها، واهدي جنودها إلى الحق”.

لم يتخفّ “الحازميون” فقط خلف ستار اللجنة المفوّضة، بل تسلّلوا أيضا إلى صحيفة “النبأ” الأسبوعية التي أثارت موجة عارمة من الانتقادات بسبب عددها 85 الذي احتوى على مقالة بعنوان “رموز أم أوثان؟”، حيث تضمنت طعنا مباشرا بعطية الله الليبي أحد أهم رموز التيار الجهادي، حيث وصفته بأنه “أحد أئمة الضلال ورموز الفتنة” في حين نعاه أبو بكر البغدادي بعد مقتله وأثنى عليه ووصفه بـ”العالم العامل المجاهد، صاحب العلم والوقار”.

“مهيب شالاتي” أحد أشهر أنصار تنظيم الدولة الإسلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، كشف خلال الأيام الأخيرة عن صدور قرار من أبي بكر البغدادي ينهي العمل رسميا ببيان اللجنة المفوّضة وإقرار “المنهج العام” الذي نظّر له القادة السابقون على غرار أبي مصعب الزرقاوي وأبي عمر البغدادي، وقعّد له تركي البنعلي أياما قليلة قبل مقتله.

تنظيم الدولة عاد إلى منهجه الأول وألغى العمل ببيان اللجنة المفوّضة من خلال استخدام بعض المصطلحات التي تؤكد عدم تكفير “عوام المسلمين”

يقول “شالاتي” في منشور عبر قناته الخاصة بـ”تلغرام” “نصيحة للإخوة الأنصار: إياك أن تناصر الدولة عن جهل، تُحسن إذا أحسنت وتسيء إذا أساءت. فأنت عندئذ سينطبق عليك وصف الإمعة! تذكرون ما حصل في الفترة السابقة بعد بيان اللجنة المفوضة والذي تبعه منشورات في مجلة النبأ أساءت لهامات عظيمة من أئمة الجهاد ممن زكاهم شيوخ وقادة الدولة الإسلامية، وقتها خرج ممن يسمون أنفسهم أصحاب الرسمي وشنوا حملات إعلامية ضد من وقف في وجه البيان ومقالات مجلة النبأ المسيئة لقادة الدولة أولا ثم لأئمة لهم سبق في الجهاد ووصفوهم بأبشع الأوصاف!!!”.

ويضيف “والآن وبعد أن رجعت الدولة الإسلامية إلى منهجها الأول ماذا سيقول أولئك الذين وصفوا مخالفيهم بالمندسين والعملاء وماشابه؟!!!” كما أشار “شالاتي” إلى أن “أبو مرام وصحبه أصحاب بيان اللجنة المفوضة ومقالات النبأ المسيئة لقادة الجهاد تم زجهم بالسجن بأمر من خليفة المسلمين”.

في سياق متّصل، أشار العدد الجديد (96) من صحيفة “النبأ”، إلى أن تنظيم الدولة عاد إلى منهجه الأول وألغى العمل ببيان اللجنة المفوّضة من خلال استخدام بعض المصطلحات التي تؤكد عدم تكفير “عوام المسلمين” و”تأصيل الاسلام في دار الكفر الطارئ” على غرار ما جاء في الصفحة الحادية عشرة أن “الإنسان يولد موحدا على الفطرة” وغيرها من الإشارات إلى أن المواطنين القاطنين في سيناء وغزّة مسلمون.

إلى حدّ كتابة هذه الأسطر، لم ينشر تنظيم الدولة بيانا رسميّا عن عزل أعضاء اللجنة المفوّضة وسجنهم، ولكن حسابات مقاتليه السابقين من “التيار الحازمي” أكّدوا صحّة المعلومات المتداولة، وأبدوا حسرتهم لذلك، كما اتهموا زعيم التنظيم أبي بكر البغدادي وعددا من كبار الشرعيين بـ”الردّة” و”التجهّم” و”الإرجاء” لأنهم ألغوا العمل ببيان اللجنة التي سبق وأن عيّن البغدادي نفسه أعضاءها.

من المؤكد أن الأسابيع القادمة ستكشف الجديد بخصوص هذا الموضوع الهام، لأن تطوّراته لا تعني فقط أنصار التنظيم ومقاتليه، وإنما تهمّ بالخصوص أجهزة المخابرات العالمية التي نجحت في اختراق الصفوف الأولى للتنظيم، وتمكّنت من تصفية أبرز قادته وشرعيّيه نتيجة عمل استخباري دقيق، كان “الغلاة” أبرز المساهمين فيه بطريقة أو بأخرى وشعارهم في ذلك “اللبيب بالشريحة يفهم”.