أحمد الحناكي
لا ريب أن كثيراً من المتابعين قد اطلع على ما كتب في المواقع الالكترونية عن رسالة وجهها رئيس حزب النهضة التونسي الإسلامي راشد الغنوشي إلى اجتماع كان منتظر في مدينة إسطنبول التركية للتنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين.
بالرجوع لتاريخ الرسالة – التي أثارت ضجة شديدة – اتضح أنها كانت قبل سنتين وسبق أن وجهها عبر رسالة لجريدة الحياة الجديدة في فلسطين، غير أن مكتب الغنوشي قد نفى بعد ساعات صحة الرسالة بعد أن أكدتها قيادات في «النهضة»، وقد نشر الخبر في وسائل الإعلام كالتالي: «أثارت رسالة لراشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، وجهها إلى قيادات التنظيم الدولي للإخوان، نشرتها مواقع تابعة للإخوان، خلال الساعات الماضية، جدلاً واسعاً داخل الجماعة وقياداتها، بعدما أعلن أنه اقترب من الانفصال الكامل عن التنظيم، فيما أصدر المكتب الإعلامي بياناً نفى فيه ذلك».
تضمنت رسالة الغنوشي تأكيده على أن إخوان مصر وسورية واليمن لم يسمعوا نصائحه، وأنه يرفض سياساتهم في المنطقة ولن يسمح لتونس أن تصبح مثل العراق وسورية، وقالت رسالة الغنوشي التي وجهها إلى قيادات الإخوان في إسطنبول خلال انعقاد مؤتمر «شكرا تركيا»: «لا أسباب صحية ولا غيرها حالت دون حضوري، ولكنني أرى يوما بعد يوم أن لحظة الافتراق بيني وبينكم قد اقتربت، أنا مسلم تونسي، تونس هي وطني، وأنا مؤمن بأن الوطنية مهمة وأساسية ومفصلية فلن أسمح لأي كان أن يجردني من تونسيتي، لن أقبل أي عدوانٍ على تونس حتى لو كان من أصحاب الرسالة الواحدة، أنا الآن أعلن أمامكم أن تونسيتي هي الأعلى والأهم».
من الواضح ألا دخان بلا نار، ومن يتابع سيرة الغنوشي يستنبط دهاءً ممزوجا بالخبث وإلماما بالتكنيك السياسي، فالرجل قرأ الموقف العالمي ونظرته للإسلام السياسي وأيقن ألا مستقبل لهذه التيارات، فقد تجاوزها الزمن وأصبحت مرفوضة من كل دول العالم تقريباً، بل إن معظم من يجاريها إنما استغلال سياسي لا غير.
الغنوشي من دون شك قدم خطة متوازنة تجاه الانتخابات بعد قيام الثورة على ابن علي بحكم أن حزبه له جذور عريقة في تونس، لكنه أيقن أن الشعب التونسي الذي نال حريته الاجتماعية في العقود الأخيرة ابتداء من الرئيس الحبيب بورقيبة وانتهاء بابن علي لن يفرط بهذه المكتسبات، فضلاً عن أن حزب النهضة ولكي يستمر يجب عليه أن يضحي موقتاً بانتظار أن تفشل الحكومة بدستورها العلماني.
وعودة لرسالته التي أرسلها ونفي لاحقاً، فإنها على أي حال معبرة تماماً عن شخصية الغنوشي المناورة، فهو من جهة يختلف مع الإخوان في مصر ويتحفّظ على بعض أطروحاتهم ويستهين بقدراتهم، ويعرف في الوقت نفسه أنهم لن يستطيعون الاستمرار في برنامجهم السياسي، لذا وبغض النظر عن نفيه للرسالة إلا أنها قد تكون منه وسحبها بعد رد فعل شباب حزبه (النهضة) العنيفة.
وعلى رغم تغليفه لبرنامجه الانتخابي أو تصريحاته بالطابع المنفتح إلا أنه يعيش حالة من الشد والجذب مع مناصريه من جهة ومن جهة أخرى من المناوئين الذين يعرفون تقلباته، وفي آب (أغسطس) الماضي تعرض لانتقادات عريضة من ساسة تونسيين إثر تصريحات له في مؤتمر عقد في تركيا قال فيها: «الثورة التونسية حققت قيمها الإسلامية، والشباب التونسي أسقط النظام وأحيا الإسلام»، موجهين له الاتهام بأنه «يحاول السطو على الثورة».
المؤكد أن الغنوشي وعباس مدني التونسي والقرضاوي المصري القطري يعيشون في مراحل الاحتضار السياسي، لتبنيهم أفكاراً متطرفة ومحرضة على التشدد والارهاب وتغذية الأجنحة المسلمة الراديكالية في كل منطقة في العالم، وهذا ما يضع أمامه العالم «فيتو» أحمر.