ولنكن “انتهازيين” في الاستنساخ ونعلن تشفير الـ”اركوين”

1

 
 
أيمن حسين
 
العرب يهيمنون على موارد اقتصادية رئيسية مثل مصادر الطاقة (النفط والغاز) وبعض الحاصلات الزراعية والمنسوجات وعدد من المعادن، ويبسطون نفوذهم على أهم ممرات التجارة العالمية، فضلا عن الموقع الجغرافي لكتلة اليابسة العربية في منتصف العالم، ما يؤهلها لأن تكون محورا اقتصاديا للتجارة الدولية يدور العالم حوله..
تكتسب الدول الهيمنة والسيطرة وبسط النفوذ بفضل ما تفرضه على العالم من قوة اقتصادية، لذا تتصارع الاقتصادات العظمى لتحقيق مكتسبات تسمح لها بإحلال تأثيراتها السياسية، وتوجيه عجلة القيادة إلى الطريق الذي يحقق مصالحها، ويهدف لمبتغاها، لذا تتشكل الاقتصادات ضمن منظومة “انتهاز الفرص” لتنقض على فرصتها متى سنحت أو طابت لها لتنصيب نفسها قوة عالمية.
برع العرب في إضاعة الفرص التي منحهم التاريخ الحديث إياها، فقبل عام 1950 كان لديهم فرصتان ولا أثمن للارتكاز كقوة عالمية عظمى؛ الأولى كانت الاتفاق على وثيقة المبادئ العربية الموحدة والتي تم توقيعها في الإسكندرية عام 1944 ومن بينها عملة إنشاء سوق عربية مشتركة وعملة موحدة وتكوين جيش دفاع عربي، قبل أن تدخل هذه الوثيقة حيز التنفيذ الفعلي عام 1945 للإعلان عن جامعة الدول العربية كمؤسسة أممية دولية قادرة على إحداث توازن عالمي مع منظمة الأمم المتحدة التي تأسست قبلها بعام واحد، لكن البيان التنظيمي والتكويني كان مجرد أمر شكلي أثبتت العقود التالية له أنه غير فاعل في الأحداث.
الفرصة الثانية كانت قبيل حرب العرب الأولى في فلسطين عام 1948 والتي واجهوا فيها عدوا طامحا في احتلال الأرض (إسرائيل) ويستقوي ببعض القوى الدولية، في وقت كان العرب هم الأكثرية والسكان الأصليين في مسرح المعركة، ورغم اتفاقهم على خوض الحرب لكنهم دخلوها متفرقين ومتشرذمين فانتهت بنتائج تفوق مساوئها بدايتها وهي ضياع الأرض العربية، وهجرة السكان منها، وإعلان المعتدي قيام دولته، واعتراف القوى العظمى بها، وفي حال كان هناك تماسك وتلاحم بين العرب وقتها كان من المفترض انتصارهم وتجنب ويلات الصراعات والحروب التالية على مدار 70 عاما مضت أكلت العزيز والغالي من مصادرهم الاقتصادية.
العرب لديهم فرصة ثمينة حاليا، لو أُحسن استغلالها سيكون لهم اليد الطولى في بسط النفوذ الاقتصادي على العالم، ومن ثم التحرك إلى خانة الفاعل في ميزان القوى الدولية، فالاقتصاد العالمي يمر بفترة ترهل يزيد من تأثيرها ظهور العملة الرقمية أو المشفرة “البيتكوين”، والتي بات لها مردود قوي لا يمكن تجاهله.
من وجهة نظري أرى أنه يمكن استنساخ عملة رقمية عربية موحدة عابرة للحدود على غرار “البيتكوين” وليكن مسماها (AR-COIN) أو (اركوين) وتسمح البنوك والمصارف المركزية في الأقطار العربية بتشفيرها وتداولها خارجيا وداخليا بجانب العملات المحلية في المراحل الأولى مع إمكانية الارتقاء بها إلى آلية أفضل في التعامل، على أن يكون تداولها الأولي عبر التحويلات المالية بين بعضها البعض، وكذلك استخدامها في المعاملات التجارية الإلكترونية داخل وخارج المحيط العربي.
شجاعة طرح الفكرة تأتي من الأرقام التي تعكسها المعاملات المالية العالمية الإلكترونية، فمن بين ما يقرب 25 تريليون دولار حجم التجارة الإلكترونية العالمية سنويا ـ بحسب منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) ـ هناك وجود عربي فاعل ومتسارع في زيادته تتزعمه دول الخليج العربي ومصر والذي يفوق 25 مليار دولار عام 2017 طبقا لتقارير تجارية دولية، حققت السعودية وحدها منها نحو 8 مليارات دولار من بين 20 مليار دولار تم إنفاقها خليجيا، بينما مصر هيمنت على أكثر من 5 مليارات سنويا، وتوقع خبراء التجارة العالمية تزايد نسب التجارة الإلكترونية سنويا بحوالي 20% في المنطقة العربية كلها وحوالي 50% في منطقة الخليج العربي، وهي أرقام تتفاوت ما بين الشركات والأفراد.
أضف إلى هذا تريليونات الدولارات من تحويلات الأموال في المنطقة العربية في الاتجاهين من ومختلف دول العالم، سواء بين العرب بعضهم البعض أو بينهم وبين دول أخرى، فالدول العربية تقسم إلى قسمين الأول جاذب للعمالة والآخر طارد لها، لذا نجد الملايين من الدول الطاردة يعملون في الدول المستقبلة وتنشأ بين الدولتين علاقة تحويل الأموال بمليارات الدولارات.
العرب يهيمنون على موارد اقتصادية رئيسية مثل مصادر الطاقة (النفط والغاز) وبعض الحاصلات الزراعية والمنسوجات وعدد من المعادن، ويبسطون نفوذهم على أهم ممرات التجارة العالمية، فضلا عن الموقع الجغرافي لكتلة اليابسة العربية في منتصف العالم، ما يؤهلها لأن تكون محورا اقتصاديا للتجارة الدولية يدور العالم حوله، وبالطبع طرح الـ”اركوين” للتداول إلكترونيا سيمنح العملة الجديدة قوة ومصداقية على المستويات الاقتصادية الرسمية الدولية، وستدفع باتجاه جذب الاستثمارات للمنطقة العربية في ظل توافر مصادر الطاقة والمواد الخام والأيدي العاملة المدربة.
نعرف جيدا أن هناك خلافات سياسية عربية قائمة؛ لكن الدوافع والمحفزات قادرة على اختراق خلافات وتشكيل آلية اقتصادية جديدة يثبت بها العرب حضورهم القوي على الساحة الدولية، وتجاوز عثرات الماضي، واستعادة أمجاد الحضارة الإنسانية عندما كانت أمة العرب تتوشح برداء العالم الذهبي، ولو توافرت إرادة السبق في انتهاز الفرصة الاقتصادية المتاحة لتغيرت مركزية العالم بفضل نفوذ جديد مكتسب، فهل يبقى طرح العملة الجديدة مجرد اجتهاد ضمن كثيرين فكروا لنهضة الأمة أم يبادرون باستنساخ الفكرة والقفز فوق منصة الريادة؟

التعليقات معطلة.