عندما تتحول الديموقراطية إلى آيديولوجيا خلاصية!

1

 
عقل العقل
 
أجيال عربية متعاقبة عاشت وآمنت وعلقت آمالها على الوحدة والحرية والاشتراكية، وكلها تجارب تبخرت وفشلت في عالمنا العربي في فترة الستينات من القرن الماضي، وتحولت بعض تلك الأنظمة في العراق وسورية ومصر واليمن الجنوبي إلى دول بوليسية وسجون وحروب وتصفيات بين أصحاب الحزب الواحد في تلك الدول، والنتيجة النهائية هزيمة مدوية في 1967، كنقطة فاصلة في نهاية تلك المرحلة، بعدها أتى من ينادون بالرجوع للإسلام في شكل دولة الخلافة، وكآيديولوجيا خلاصية نعيش مراحلها الآن في أوضح أشكالها، متمثلة في هيمنة حركات الإسلام السياسي على الشارع العربي، والسؤال المطروح: هل هذه الحركات تؤمن بالديموقراطية الغربية وهي منتج ثقافي لمجتمعات مختلفة لها تجاربها التنويرية ضد ثقافتها التقليدية وضد علاقتها بالدين؟ يبدو أن الغرب يراهن على جماعات الإسلام السياسي، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، ومن قراءة لخطاب هذه الجماعات نتساءل؛ هل هي بالفعل تؤمن بالتداول السلمي للسلطة وبالديموقراطية الحقيقية أم فقط ترفع شعارات ديموقراطية جاذبة للجماهير في عالمنا العربي للوصول إلى السلطة ومن ثم تتبخر ادعاءاتها؟
 
كلنا يتذكر تجربة حكم الإخوان في مصر ولا يهمنا هنا ما انتهت إليه، ولكن ممارساتها في فترة حكمها القصيرة تعطي دلالات واضحة أن حكم الإخوان بدأ بالفعل بـ «إخونة» الدولة في مراحلها الأولى، وهو يقتدي بتجربة الثورة الإيرانية التي لم تكن ثورة رجال الدين فقط، بل البازار واليسار والتيارات الوطنية الأخرى، وفي النهاية قام الخميني بتصفية الجميع وإنشاء دولة ثيوقراطية. إخوان مصر كانوا سائرين في هذا الاتجاه على رغم رفعهم شعارات الديموقراطية والتعددية في دولة تعاني من ضعف واضح في الممارسة السياسية ووجود أحزاب معارضة هشة وضعيفة. تجربة «جلب» و«غرز» الديموقراطية هذه الشعار الرنّان عند شعوبنا العربية على ظهور الدبابات الغربية في العراق جعل من العراق دولة أقرب إلى أن تكون فاشلة ومقسمة طائفياً، وأتذكر تصريحاً لمسؤول إيراني قال فيه: «إننا لن نسمح بعودة العلمانيين لحكم العراق!»، هذه هي الديموقراطية الاسمية التي أتحدث عنها، فيها «مطية» لبعض أحزاب الإسلام السياسي، تؤمن بها وترفع شعاراتها بين الجماهير عندما تكون خارج السلطة، وتقتل معارضيها عندما تتمكن وكله باسم الديموقراطية بمواصفات يحددون شروطها، هذا هو حالنا مع الديموقراطية وكأنها المفتاح السحري لجميع قضايانا، والحقيقة أن هناك شروطاً بنيوية ثقافية واجتماعية واجبة الشروط في مجتمعاتنا لتفعل هذه الأداة سحرها، فالغرب (أبو الديموقراطية) لا يسمح بوجود أحزاب على أساس ديني وأنظمته علمانية تفصل بين الدين والدولة، فهل أحزاب الإسلام السياسي مستعدة مثلاً لهذه الشروط وغيرها كالنظرة لحقوق المرأة والأقليات والحرية الفردية بمعناها الواسع.
 
لا يمكن على أية حال أن تأتي الديموقراطية من أحزاب لا تؤمن بالديموقراطية للآخر، أما تحوير ديموقراطية على أساس ديني كما في إيران؛ فهي منتجة -لا محالة- لأنظمة مستبدة حتى ولو كان لها أشكال من الممارسة الديموقراطية الشكلية من انتخابات وبرلمانات.
 
 
في مجتمعات تنظر إلى الماضي في معالجة إشكالاتها وانطلاقها للمستقبل، من المهم أن تكون ديموقراطية في علاقاتها مع بعض وتقبل الاختلاف الثقافي والفكري، فنحن نشهد التخوين والإقصاء في هذه المجتمعات ضد كل مختلف معها فكرياً أو اجتماعياً أو دينياً وطائفياً، فالديموقراطية هي نتيجة لهذا الصراع الفكري وليست وسيلة تجلب من هنا أو هناك، فالقبول بالآخر وتعميق هذه المفاهيم في البيت والمدرسة والشارع بذور لها، وتحتاج تأصيلها حتى نصل إلى ممارسة الديموقراطية السياسية في عالمنا.

التعليقات معطلة.