الوساطة الكازاخية في أستانا ومرحلة مهمة مقبلة لسورية

1

 

شاهر الحاج جاسم

منذ بدء المفاوضات السورية في العاصمة الكازاخستانية (أستانا) في كانون الثاني (يناير) 2017، أخذت المأساة السورية تتجه نحو منحى مغاير، واستطاع مسار أستانا تحقيق نتائج ملموسة على الساحة السورية، على رغم المعوقات والصعوبات التي واجهت تنفيذ الاتفاقات التي تمت بين أطراف النزاع والدول الضامنة الثلاث.

والواضح اليوم أن الفترة القادمة لسورية مهمة، لاسيما إنها مرحلة الانتقال الى ما بعد الصراع، والاستعداد لصياغة دستور جديد.

تأمل الأمم المتحدة في أن يعقد الاجتماع الأول للجنة الدستورية السورية قبل نهاية هذا العام. ومع ذلك أشار الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأميركية في شأن سورية جميس جيفري، إلى الحاجة إلى إنهاء عملية أستانا.

إذ صرح جيفري، أثناء رده على أسئلة الصحافيين، قائلاً: «افتراضنا يتمثل في أنه يجب عدم مواصلة هذه المبادرة الغريبة في سوتشي وأستانا، التي تقضي بالعمل على تشكيل اللجنة الدستورية وتقديمها للمبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا»، معبراً في الوقت ذاته: «إنهم حاولوا تحقيق ذلك، لكنهم لم يتمكنوا حتى الآن. وإن لم يتسن لهم بحلول 14 كانون الأول (ديسمبر)، فالولايات المتحدة ستنهي مسار أستانا».

تصريحات المبعوث الأميركي، دفعت وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إلى الرد، قائلاً: «إن تصريحات جيفري حول مسار أستانا خذلها التوفيق، ولا أعتقد أنه عبر عن رأيه الشخصي».

وعلقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على الموضوع، واصفة إياها بـ«غير المهنية وغير البناءة». وأضافت زخاروفا أن الولايات المتحدة لم تعد تخفي ألا مصلحة لها في الجهود التي تبذلها روسيا لتسوية الأزمة السورية.

يمكن أن يؤدي القضاء على هذه المفاوضات إلى عواقب وخيمة، يجب ألا ننسى أن مسار أستانا المنعقد في العاصمة الكازاخية، هو المكان الذي تم فيه التوصل الى اتفاقات مهمة وملموسة بين جميع أطراف النزاع السوري، الذين جلسوا لأول مرة على طاولة المفاوضات نفسها. وفي هذا السياق، تحدث رئيس مجلس الشيوخ في البرلمان الكازاخستاني قاسم جومارت توكايف، خلال لقاء صحافي في 9 شباط (فبراير) 2017، قائلاً: «أولاً هناك حقيقة مهمة وهي حدوث الاجتماع في أستانا، حيث كان من الصعب جدا جمع كل الأطراف على طاولة واحدة، ولا سيما لأولئك الذين يقاتلون ضد بعضهم البعض على الارض». وأضاف: «اجتماع أستانا، وضع الأساس لوضع حد للعنف والتقارب بين الفصائل السورية المختلفة، بما في ذلك المسلحة، إذ تم الاتفاق على إنشاء آلية ثلاثية لمراقبة وقف إطلاق النار وضمان تنفيذه بالكامل».

وتابع توكايف من المستحيل حل جميع المشكلات في غضون فترة قصيرة، بعد ست سنوات من الحرب الدامية، ولكن نأمل أن أستانا كانت بداية عملية من أجل استعادة الاستقرار والتنمية في سورية، ونحن نتحدث عن القضاء على الكراهية المتبادلة التي تراكمت على مدى سنوات من الحرب الوحشية، وأخيراً أصبح معروفاً عن اجتماع الخبراء، بما في ذلك ممثلين عن الأمم المتحدة، من اجل إنشاء آلية ثلاثية: روسيا، وتركيا، وإيران»، وهي تجري هذه الأيام في أستانا.

الجدير بالذكر أن عملية أستانا في سورية أدت لأول مرة في ظل الصراع السوري، إلى إنشاء مناطق لخفض التصعيد (سواء اتفقنا أو اختلفنا معها)، كما اتفقت أطراف النزاع السوري على تبادل الأسرى، وخلق الظروف اللازمة للعودة الآمنة للاجئين إلى منازلهم، ووضع آلية لتنفيذ وقف إطلاق النار. كل هذا سمح للمنظمات الإنسانية الدولية بالبدء في تقديم المعونات الضرورية إلى المدنيين.

يرى المراقبون أن أهمية مؤتمر استانا تكمن بالنظر إلى مناطق النزاع الأخرى وعلى وجه الخصوص اليمن، حيث الحرب الدائرة هناك، وبسبب عدم وجود منصة مفاوضات حقيقية في هذا البلد، اندلعت أكبر أزمة إنسانية في تاريخ العالم الحديث، أخيراً بدأت المفاوضات في السويد على غرار مؤتمر استانا، لأيجاد حل إنساني كأقل تقدير.

بالطبع، إن سورية هي أيضاً أزمة إنسانية، لكن نطاقها أصغر بكثير، لأن أطراف النزاع بدأت تتفاوض، وعلى الأقل تحاول ضمان ظروف بقاء السكان المدنيين.

وكشف وزير خارجية كازاخستان خيرات عبدالرحمنوف، أن التوقعات من المفاوضات في شأن سورية في أستانا كبيرة جدا، لأنه يمكن أن تسهم في اتخاذ قرار نهائي في شأن هذا البلد على رغم أن المرجع الرئيس للمحادثات في جنيف.

وتميزت أرض التفاوض في محادثات أستانا بجمع الشخصيات ذات النفوذ والتأثير من كلا الطرفين في المشهد السوري، بما في ذلك وزراء خارجية الدول الضامنة للهدنة السورية (روسيا، وتركيا، وإيران). وهذا يعني أن الحديث في مثل هذه المفاوضات لم يكن مقتصراً على مشاكل السوريين فقط، بل أيضاً في محاولة إيجاد حلول عملية تخرج البلد من المستنقع الدامي، إذ المنتصر فيها خاسر.

التعليقات معطلة.